غدًا تبدأ امتحانات الثانوية العامة.
كل الآباء (والأمهات أكثر) يحلمون بأن يصبح أولادهم دكاترة (!)، عظيم جدا، طيب، ابنك صار طبيبا.. ألف مبروك.. ماذا سيفعل بالطب؟
لو سيادتك أستاذ بكلية الطب سيكون ابنك معيدًا ثم أستاذًا بالكلية، وربنا يوفقه لما فيه خير الطب والطبابة، أما لو كنت مواطنًا عاديًّا مثلنا فابنك قد يكون طبيبًا، مثلًا يعنى فى مستشفى تابع لوزارة الصحة، حيث سيظل يتقاضى مئتين أو ثلاثمئة جنيه ويشارك فى اعتصامات ووقفات احتجاجية لتطبيق كادر الأطباء (!)، وفى هذه الحالة سيتجه قطعا إلى العمل فى مستوصف لأىٍّ من الجمعيات الخيرية أو الإخوانية، ومن ثم قد يحصل مع مرتبه فى الوزارة على ستمئة جنيه. وقد يعمل فى مستشفى قطاع خاصّ فسيحصل -باسم الله ما شاء الله- على حاجة بتاعة ألف جنيه، أما إذا نجح فى فتح عيادة -بفلوس والده فى شقة مفروشة متواضعة إيجارها 1500 جنيه- فلأنه ليس طبيبًا كبيرا أو معروفًا أو خبيرًا -لسه يا وِلداه عيِّل- فسوف يفلس بعد شهرين ويبحث عن عمل فى السعودية، لو وجد عملا أو عقدا فى السعودية الآن! وسوف يحصل على فلوس الدروس الخصوصية لتعليم أبنائه رغم أن أبناءه لا يتعلمون، براتب يصل إلى ثمانية آلاف جنيه. سيستطيع تحويل نصفها إلى مصر، لو كان بخيلًا وجلدة هناك، ومن ثم قد يتمكن من ادخار كام ألف جنيه فى السنة، يستطيع أن يصرف بها على الدروس الخصوصية لأبنائه الثلاثة اللى نفسه يطلعوا دكاترة.
المدهش عندى أن المصريين ينفقون 17 مليار جنيه سنويًّا على الدروس الخصوصية لتعليم أبنائهم، رغم أن أبناءهم لا يتعلمون! فلا يوجد تعليم فى مصر (...)، فيه شهادات (لا تنس طبعًا أن مصر بلد بتاعة شهادات). التعليم الذى يبنى شخصية الإنسان وثقافته، وفكره، وسلوكه، تعليم ليس موجودًا ولا معروفًا فى مصر منذ سنوات.
إذا كان الفصل فيه 103 تلاميذ -اذهب إلى مدرسة فى حى المندرة بالإسكندرية لتتأكد- أو إذا كان التلميذ يحضر إلى مدرسة (فى المنوفية) بكرسى خشب حتى يجلس عليه فى الفصل -مافيش كراسى يا اخواننا- وإذا كان المدرس يبذل نصف الحصة فى أن يتوقف الطلبة الخمسة والسبعون فى الفصل عن الكلام! جاىّ تقول لى طب؟!
ثم إن أولياء الأمور يذهبون بأبنائهم إلى مراكز الدروس الخصوصية أو المدرسين فى بيوتهم (!)، بينما يتغيب التلاميذ عن المدرسة أكثر من نصف العام (أساسًا مافيش حصص يا بابا)!
يبقى فيه تعليم منين وازاى؟!