مساء الإثنين الماضى اتصل بى محمد العدل قائلا: لقد وقع عليك الاختيار لكى تشاركنا صباح الأربعاء فى اقتحام مكتب وزير الثقافة فى شجرة الدُر، الفكرة حلوة، ولكنى قلت له مسافر فى الصباح إلى مهرجان الإسماعيلية، فقال لى إنه أيضا سيتجه إلى هناك ليعود فى مساء نفس اليوم لتنفيذ الخطة.
فى الحقيقة كنت أشعر أن وجودى فى المهرجان ومشاهدة الأفلام نوع من الدفاع عن هوية مصر لا يقل عن اختراق المكتب، تابعت مساء أول من أمس وقائع اقتحام المكتب فى الوقت ذاته كانت بركات الدكتور محمد مرسى قد حلت على الإسماعيلية كلها، وتوقفت عروض الأفلام بسبب انقطاع التيار الكهربائى.
قرأت أسماء المقتحمين ووجدت أن بينهم من كنت أتمنى أن يجمعنا لقاءً استثنائيا، وتساءلت هل يتقدم مثلا بهاء طاهر الصفوف أم جلال الشرقاوى أم صُنع الله إبراهيم، وما موقع سيد حجاب أم أنه سيد فؤاد باعتباره الأكثر خبرة فى شؤون الاعتصام والإضراب والاقتحام، لعله خالد يوسف الذى صار يتصدر المشهد إعلاميا منذ قيام الثورة، وربما محمد العدل أو قد تفعلها أصغر المقتحمات سنًا حنان مطاوع، المؤكد أننى كنت سأخرج من تلك العملية بحصيلة لا تنسى من الحكايات والمواقف وأيضا الطرائف، لم يسبق لى ممارسة هذا النوع من الاقتحام إلا فقط فى المدرسة الابتدائية عندما استحوذنا على ميكرفون الإذاعة وأعلنا التمرد وكان نصيبنا علقة ساخنة.
ماذا بعد الاقتحام هل تدار الوزارة رسميا من المكتب أم أن هناك مخبئًا سريا سيلجأ إليه الوزير المخلوع. تردد أن الوزير يديرها الآن من «الكيت كات» موطن الشيخ حسنى فى الفيلم الشهير والمفروض أنه فى أثناء كتابة هذا المقال قد تم الاستيلاء على المقر الاحتياطى للوزارة، من الواضح أن الدولة لم تتحسب لشىء من قبل، كل المؤشرات كانت تؤكد أن مكتب الوزير أحد الأهداف الاستراتيجية لثورة الغضب، خصوصا أنهم أعلنوا عن التصعيد بعد نفاد ساعات الإنذار، مكتب الوزير هدف سهل، خصوصا أنه لا يفصله مثل مكتب وزير الإعلام عن الغاضبين باب حديدى يمنع اقتحامه. الدولة الهشة لا تستطع المواجهة ليس فقط لضعفها وهوانها على الجميع، ولكن لأنها فقدت قوة العدل، الهيبة ليست أن تمتلك القوة، ولكن أن يشعر الناس أولا بعدالة الميزان. الوزير فُتحت عليه النيران من كل الاتجاهات وهو فتح النيران على الجميع، لم يدرك أن كل الطلقات ارتدت إليه، حتى استخدام الأسلحة المحرمة مثل اقتحام خصوصية الإنسان، حيث إن رئيس أكاديمية الفنون سامح مهران عثر على «سى دى» للوزير وصفه بأنه جنسى، أتعجب من تلك الوسائل فى الحصول على المعلومات التى ينتهجها رجل أكاديمى، بل رئيس أكاديمية الفنون، ورغم ذلك فإن كثرة حماقات الوزير وآخرها ما حدث بعد اقتحام مكتبه من توجيه العقاب الحاد إلى موظفيه، هل كان يعتقد أنهم سوف يعتبرون أن المكتب بمثابة حدود الوطن وعليهم أن يضحوا بأرواحهم حتى يواجهوا المقتحمين، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يأت الوزير بنفسه ليواجه الغزاة المعتدين؟! أرى دائما فى حكاية الصراع بين وزير الثقافة ورئيس الأكاديمية أن الله يسلط «أبدانا على أبدان»، الاثنان قررا أن يلعبا لعبة الموت. الوزير أحاله إلى النيابة لمخالفاته وهو فى المقابل رفض المثول، بحجة أنه بدرجة وزير لا يملك الوزير التحقيق معه، سبق لوزير الثقافة الأسبق شاكر عبد الحميد أن دخل فى معركة مماثلة مع مهران انتهت بإقصائه عن الوزارة، هذه المرة أرى أن الاثنين سيدفعان الثمن «علىَّ وعلى أعدائى».
هل تنتهى معركة الوزير والمثقفين فى غضون أيام، لا أتصور الأمر بهذه البساطة ليست أياما، ربما تنتظر حتى يوم 30 يونيو، فلا تستطيع أن تفصل بين مصير مرسى وإقالة علاء، لو جاء التمرد فى عنفوانه سوف يجبر مرسى على التخلص من الأحمال الثقيلة طلبا للنجاة وأول المعرضين للإلقاء هو علاء عبد العزيز، وبعده مباشرة صلاح عبد المقصود، ثم ينفرط العقد، وسوف نشاهد فصولا عديدة تكشف لنا عن الوجه الآخر للصورة، انتهازية عدد من المثقفين.. تابعوا بدقة فى هذه الأيام وجهى العملة المثقف الثائر والمثقف الذى يأكلها وهى والعة وما أكثرهم هنا وهناك!!