العالم كله تَفرَّج على التآمر المصرى السرى العبقرى على الإخوة الأشقاء الإثيوب الذين أظنهم قد ماتوا من الضحك
يُحكَى أن دولة عربية شديدة التقدُّم اجتمع قادتها وقرروا أنهم قد فشلوا فى إدارة البلاد وأنهم غير قادرين على حل مشكلات الشعب المعقدة، وكان أن تَفتَّق ذهن أحدهم عن فكرة عبقرية هى البحث عن دولة متقدمة تحتلهم وتتولى هى حل مشكلاتهم، أمريكا طبعا، ومَن غيرها؟ لاقت الفكرة استحسانا شديدا وصل ببعض المخلصين منهم إلى حد الرقص، بل والبكاء، ثم اتفقوا أن الحل الأمثل لدفع أمريكا لاحتلاهم هو استفزازها عن طريق توجيه ضربة جوية مفاجئة إليها على طريقة حرب أكتوبر المجيدة، إلى أن صاح أحد القادة المجتمعين متهما الباقين بالغباء السياسى لأنهم لم يحسبوا حساب كل الاحتمالات، فسألوه: مثل ماذا؟ أجاب أن تنجح الضربة الجوية لا قدر الله ويحتلوا هم أمريكا.
أما محطة المطار السرى المأخوذ منها عنوان هذا المقال فهى قصة واقعية حدثت فى مصر إبان حرب الاستنزاف ما بين 1967 و1969، وكانت جميع المنشآت العسكرية فى ذلك الوقت معلَّقًا عليها لافتات تقول «ممنوع الاقتراب والتصوير»، كان أن أنشأت مصر مطارًا حربيًّا سريًّا، وكان الجنود العاملون فى هذا المطار يضطرون إلى استعمال المواصلات العامة من المطار وإليه، ومع الوقت ونزولا على اعتبارات الحاجة وللأهمية الشديدة للمطار، فقد تم عمل محطة أوتوبيس فى موقع مواجه له سُميت بـ«محطة المطار السرى»! أما نظرية «don't mix» فقد أثرت فى نفسى تأثيرًا كبيرًا عندما أثارها سيادة الرئيس للمرة الأولى فى ألمانيا، أما فى المرة الثانية عندما كررها فى باكستان وهو يرتدى تلك الطاقية العظيمة، فأعترف أنها كادت تغيِّر حياتى ونظرتى إلى العالم والوجود، لولا ستر الله، والإنسان منا ضعيف مهما كان، والكمال لله وحده، فلعدة أسابيع تَلَت، وجدتُنى أتناول الدنيا بمقياس ما يمكن أن يـ«mix» وما هو «don't mix». مثلا، الجيش والسياسة don't mix، حزب الحرية والعدالة مع حزب النور mix شرط التقليب المستمر على نار هادئة، ومع حزب الوسط mix فى الماء البارد، البيه والمدام don't mix (أى بيه وأى مدام). ووجدت نفسى أكرر هذه المسألة مرارا وتكرار عندما ألقى كلمة فى مؤتمر أو غير ذلك إلى أن أدركت أنى لعلِّى قد أُصِبْت بحالة وسواس قهرى خفيفة، فأخذت نفسى بالشدة وقررت أن أقاوم تأثير سيادة الرئيس علىّ فأقلعت بعد بعض الجهد عن تكرار نظرية الـmix، والحمد لله الشافى المعافى.
وفى مقال سابق أجهدتُ نفسى بعد قراءات وأبحاث وماكيتات وتحليلات عسكرية وأشكال هيكلية فى تصور الحلول لمشكلة سد النهضة مستدعيا كل قراءاتى ومخزونى الثقافى والمعرفى على مدار عمرى، إلى أن رأيت بعضا من الحوار الوطنى السرى المذاع على الهواء لتستدعى ذاكرتى حربا أهلية قامت قديمًا بين عائلتين فى ريف مصر شهدت معاركها حادثة مؤسفة عندما كان فيها المدعو حسنين على وشك أن يطلق النار على القبيلة الأخرى فعاجلته رصاصة كادت تكلفه حياته لولا ستر الله، فأغلق القائد بابه على نفسه وانهمك فى التفكير واستدعاء كل قراءاته ومخزونه المعرفى وخبراته العسكرية والأشكال الهيكلية ليخرج بعد عدة أيام آمرًا رجاله الأشاوس أن بلاش حسنين يطلع لهم، المرة الجاية محمدين هوا اللى يطلع!
ولأن العالم كله قد تفرج على الحوار السرى والتآمر المصرى السرى العبقرى على الإخوة الأشقاء الإثيوب الذين أظنهم قد ماتوا من الضحك، ولأنى رجل يتميز بالوطنية ويريد أن يشارك فى صنع مصير بلده، ولأن الموضوع قد تَحوَّل فى ذهنى تماما وأريد أن أرتفع إلى مستوى الحوار السرى، فأنا أضيف ثلاثة اقتراحات محددة تتدرج فى الشدة والتصعيد، يتبعها ثلاث دعوات وابتهالات إلى الله العلى القدير. أما الاقتراحات فأولها أن نضع لهم مسدَّسًا فى الشاى (على أن يكون شديد الغليان)، الثانى الأشد قسوة ووحشية هو أن نعمل لهم «كابوكى»، والكابوكى Kabuki هى رقصة يابانية قديمة تثير الرعب وتُستخدم فيها أزياء وأقنعة مخيفة قدمها الإخوة الأشقاء اليابانيون قبل سنوات طويلة فى دار الأوبرا، وبعد ذلك مباشرة استعملها -كنوع من الانتقام الوحشى- بعض الأزواج المقهورين ليفاجئوا بها زوجاتهم المشاكسات بعد غروب الشمس فى بئر السلم، شوفوها على «يوتيوب» لو سمحتم، أما الاقتراح الثالث وهو الاستراتيجى الحاسم الأكثر فاعلية والذى سينهى هذا الإشكال من بابه فهو عبارة عن عملية انتحارية جريئة، وهى أن نسمِّم مياه النيل، نعم، نسممها وننهى الموضوع من أساسه، وعليَّا وعلى أعدائى! وماحدش يطلع يقول لى باكيا «ما ذنب النباتات؟!». أما الابتهالات الثلاثة فأولها دعائى الحار أن لا يكون كثير من دول العالم المتقدم قد شاهد هذا الحوار الوطنى السرى حرصا على سمعة مصر التى افتضحت وربنا ستار حليم، الثانى أن يغفر لى القارئ ما كتبتُ إن الله غفور رحيم، أما الثالث فهو أن تكون جريدة «التحرير» أحرَصَ منى على نفسى فلا تنشر هذا المقال.