فى ثمانينيات القرن الماضى، أضرب عمال مصنع الحديد والصلب، وارتكب وزير الداخلية مذبحة فى حق المعتصمين، كانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان كياناً غير شرعى، رفضت الحكومة تسجيله، وأصرت مجموعة من الشبان على أن حقهم فى الدفاع عن حقوق الإنسان يعلو على أى اعتبارات قانونية جائرة، وقفوا إلى جانب العمال المستضعفين، قبضت الحكومة على عدد من أعضاء المنظمة: محمد سيد سعيد، أمير سالم، هشام مبارك، ماجد الصاوى، مدحت الزاهد، كمال خليل وآخرين، ووجهت إليهم تهمة تشكيل «تنظيم شيوعى» يهدف إلى تغيير نظام الحكم بالقوة. بكى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، وهو يرى آثار التعذيب على جسد محمد سيد سعيد، حملنا أمير سالم وهشام مبارك حتى استطاعا أن يجلسا أمام وكيل النيابة ليحقق معهما، ذهبت الحكومة إلى حيث.. ألقت.. وانتصرنا. فى التسعينيات، وعقب حملة ضد التعذيب، قبضوا على محمد مندور، عضو مجلس أمناء المنظمة، منسق الحملة بتهمة تلقى أموال من كوريا الشمالية!. استطاع المحامى عبدالله خليل أن يعرض أمام الصحفيين الملابس الداخلية لمندور، وهى مغطاة بدمائه من آثار التعذيب، بعد أن هربها من السجن. خرج مندور.. أين معذبوه؟.
نهاية التسعينيات، قبضوا على الأمين العام للمنظمة حافظ أبوسعدة، لأنه ندد علنا بتواطؤ الحكومة فى مجزرة قرية الكشح. تم تعذيبه، وحلقوا شعر رأسه، وحبسوه انفراديا. خرج حافظ محاطا بالتكريم، فأين من اتهمه بالباطل؟. قبضوا على سعد الدين إبراهيم بتهمتى ترويج أخبار تضر بالأمن القومى، وتلقى أموال من الخارج. حبسوه وهو فى السبعين من عمره. أدارت الحكومة ضده حملة إعلامية هائلة للنيل من شرفه واعتباره. حكم عليه القضاء الجنائى بالحبس سبع سنوات، لكن الحقيقة أقوى من محاولات إخفائها، حكمت محكمة النقض ببراءته هو وكل من كان متهماً معه. حكم تاريخى يقدم نموذجاً للعدالة المصرية، التى لا تتأثر بوعد ولا إيعاد..
أصبح سعد أسطورة، فأين من حبسوه ظلماً؟. الثلاثاء الماضى، حكمت إحدى المحاكم بحبس عدد من النشطاء الحقوقيين بعد حملة جندت لها حكومة عصام شرف كل الصحف، ووسائل الإعلام المملوكة لها، أو المتعاملة معها، شارك وزيران للعدل ووزيرة للتعاون الدولى فى التأثير على الخصومة ضد المتهمين الأبرياء، الذين لا يملكون ما تملك الحكومة من مال ونفوذ، التهمة هى ذاتها «الدفاع عن حقوق الإنسان». المتهمون هم من تغيروا. نانسى عقيل ويحيى غانم وشريف منصور ومحمد عبدالعزيز وباسم فتحى ومجدى محرم- كانوا يعرفون أنهم يحاربون بقايا الديكتاتورية، وأنهم سيدفعون ثمنا لم يتصوروا أن يقف من دافعوا عن حقهم فى الحياة الكريمة صامتين منهزمين، وهم يرونهم يتلقون طعنات الغدر من المستبدين القتلة. نانسى عقيل ورفاقها دفعوا ثمن مواقفهم مرفوعى الرأس موفورى الكرامة. أصحاب الرسالات مستعدون أبدا للتضحية. دائما ما ينتصرون. يضحك كثيرا من يضحك أخيرا.. حكمة.