عمرو حمزاوى غاضب. بدا ذلك من انفعاله قبل الذهاب إلى قصر الرئاسة فى «حوار وطنى» ظهر لكل صاحب عينين ورؤية وعقل أنه لم يكن سوى عرض كوميدى ترويجى فاشل للمرسى. الغضب أيضا أكل أكثر من نصف المساحة الزمنية التى حصل عليها الدكتور عمرو من (الحوار / الاستعراض).. وأخيرا سيطر الغضب على ردود الفعل بعد انكشاف طبيعة الاجتماع وقيمته وكفاءة مَن دبّروه وتصوروا أنهم استغلوه لصالحهم (فى صناعة عدو خارجى يجمع حولهم القوى الوطنية والسياسية والشعبية أو فى إظهار أن الرئيس مبتسم وسعيد فى حضور المختلفين معه). لماذا الغضب العاصف الذى وصل إلى حد التهديد بالاستقالة من الشأن العام فى مقال وتلميحات فى توك شو؟ لماذا انفعل عمرو حمزاوى القادم من عالم الأبحاث والأكاديمية؟ هل لأنه ما زال ضيفًا على عالم السياسة؟ أسئلة أتوقف أمامها ليس بسبب عمرو نفسه، لكن لأنها حالة دالة على تصورات السياسة والعمل بها، بعدما تعقدت ولم تعد حكرًا على «النخبة المحيطة بالحاكم» و«النخبة المنافسة لها والمشاغبة لوجودها»، كما لم تعد السياسة انتظار الحاكم أو الحكومة والاكتفاء بالتعليق على أفعاله أو خطواته، السياسة الآن ليست بطولات رغم أن بعضًا منها مواجهة سلطة عنيفة ومنتهكة لكل الحقوق والحريات. السياسة قد تكون استعراضًا بما أن الإعلام يلعب دورًا حيويًّا، والتأثير فى الجمهور أحد أدواتها، لكن اختصارها فى الاستعراض لا يعنى سوى إفراغ السياسة من القدرة على بناء موقف فى مواجهة احتكار السلطة وتفريغها الفضاء السياسى من تعدديته. حسابات الدكتور عمرو قامت على سياسة افتراضية هو أول من يعرف أنها افتراضية.. لكنه يريد الآن أن نتعامل معها على أنها واقعية، لكى لا نرى مشهد الحوار الوطنى بكل القبح الذى ظهر عليه، وأبكانا قبل أن يضحكنا. أراد الدكتور عمرو أن يقنعنا أو يثير تعاطفنا مع غضبه بتحويل الافتراضى إلى حقيقة، وكأن ما فعله حدث فى بلد ترسخت فيه ديمقراطية (من نوع ما).. مثلا فى أمريكا (حيث عمل فى مؤسسة كارينجى وكان فيها باحثًا مهمًّا)، أو فى ألمانيا (حيث درس وابتعد بدراسته عن مصير النابهين من دفعته فى سياسة واقتصاد كعناصر مقاتلة فى مشروع جمال مبارك). فى هذه البلاد هناك سياسة وبنية تحتية وقواعد لدولة ديمقراطية لا يستدعى فيها السياسيون بمنطق «نفر الاتحادية.. مين هييجى الحوار الوطنى.. مين بيحب مصر ويرد على باكينام فى التليفون؟». فى السياسة.. أنواع للاجتماعات، ولا يمكن لأحد يحترم العقل أن يستخدم هذا العنوان الفضفاض الغامض (الحوار الوطنى) ليضع تحته أى تجمع ركيك بلا هدف. لماذا هو حوار وطنى؟ هل لأنه مع الرئيس؟ ما هدف الاجتماع: التشاور/ التضامن/ التأييد/ اتخاذ قرارات/ التوافق؟ إنه لم يكن سوى استعراض للتصوير، لكن لأنهم فاشلون وبلا مواهب ولا كفاءات، فقد كشف العرض ما هو أسوأ وأكثر قبحًا. كيف لم تزعجك كل هذه الركاكة يا دكتور عمرو؟ من يعرف لماذا دعا المرسى إلى حوار وطنى بعد مرور أسبوع كامل على خبر بناء إثيوبيا للسد؟ حتى تقرير اللجنة الثلاثية لم يطلع عليه أحد لتكوين موقف أو يبنى عليه رأى قبل الهرولة للقصر... ثم إن التقرير يقول: «السد لا يضر ولا ينفع» حسب وزير الرى فى مجلس الشورى.. لماذا إذن النفير؟ لماذا الاستدعاء والهرولة دون برنامج أو أجندة أو هدف أو معنى إلا كل هذه الركاكة التى كانت عرض الموسم وذروة عروض الكوميديا السوداء؟ لم يثر غضب الدكتور عمرو كل هذا، ووصل إلى قمة الغضب لأن هناك مجموعات أعلنت ضيقها أو رفضها أو غضبها من المشاركة فى عروض (ظهر أنها ترويجية.. دعائية)؟ هل هذه مزايدة؟ ممكن. لكن ألم تزايد على الجميع بحضورك يا دكتور عمرو؟ ألم تعتبر ما فعلته عملًا وطنيًّا (إنك بطل إذن، والآخرون يعلون من مصالحهم الحزبية)؟ ما «الوطنية» فى الانضمام إلى عروض المرسى وجماعته؟ وهل الخلاف مع الإخوان.. مجرد خلاف حزبى كما قال الدكتور عمرو فى الاجتماع «التاريخى بتحوله إلى فضيحة»؟ الخلاف مع الإخوان حول الشرعية التى انتهكها المرسى وجماعته.. حول أكل الثورة وتحويلها إلى جسر للعبور إلى السلطة.. حول بناء ديمقراطية حديثة فى مقابل خطتهم لإعادة استبداد مبارك بقناع الخلافة الإسلامية... هذا هو الخلاف... أو فى الحقيقة معنى الثورة التى تلخصها حركة «تمرد» فى الشارع. تمرد (والدكتور عمرو من الموقعين عليها) هى فى جوهرها حركة رفض مجتمع.. لتأسيس ديكتاتورية جديدة.. وهذا ليس خلافًا حزبيًّا. كما أن «الوطنية» ليست الاستجابة إلى نداهة القصر دون هدف/ ولا برنامج/ ولا موضوع أصلا (إذا كان الرئيس نفسه الذى ذهبت لتسانده فى محاولة صنع عدو إثيوبى.. قال إن السد ليس مؤثرًا). الوطنية هى بناء قوة لمجتمع فى مواجهة سلطة، لماذا لم تدفع حزبك (الذى اتخذت رأيه... لحضورك الهرولة للقصر) إلى تبنى حملة من أجل تشكيل لجنة من الخبرات المصرية المستبعدة من الجماعة ومندوبها فى القصر.. لجنة من خبراء فى القانون الدولى والمياه والنيل والتاريخ والعلاقات مع إفريقيا؟ السلطة التى ذهبت إليها (وهى سلطة أقرب إلى الاحتلال) استبعدت الجميع فى كتابة دستور للبلاد، واستدعتهم فى عرض ترويجى لرئيس قبل محنته فى ٣٠ يونيو... لم ينته الاجتماع (الوطنى) إلا إلى مسخرة. ولا يمكن اعتبار «المسخرة» عملًا وطنيًّا.. كما لا يمكن اختصار «المشروع الوطنى» فى مشاركة المرسى وجماعته عروضهم الكوميدية الترويجية. اهدأ يا دكتور عمرو... واعد حساباتك وشاهد المسخرة التى شاركت فيها، وكان يجب الاعتذار عن المشاركة فيها لا المزايدة بها.
اهدأ يا دكتور عمرو
مقالات -
نشر:
6/6/2013 5:00 ص
–
تحديث
6/6/2013 9:05 ص