ما هذه الفضيحة الجديدة التى لحقت بنا فى الخارج؟! إننى لم أقابل أحداً هنا فى الإمارات إلا وسألنى عنها. لقد وصلت إلى أبوظبى منذ أيام لحضور اجتماعات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعلمت بعد وصولى أن الرئاسة فى مصر دعت بعض ممثلى المعارضة، بحجة بحث أزمة السد الإثيوبى، ثم قامت بإذاعة مداولاتهم مع رئيس الجمهورية على الهواء، دون إخطارهم فى واقعة غير مسبوقة فى العمل السياسى.
هذا جانب من الفضيحة التى وصفها لى مدير أحد البنوك الكبرى هنا- وهو بريطانى الجنسية- بأنها فضيحة أخلاقية قبل أى شىء آخر، فكيف تعطى الرئاسة لنفسها حق إذاعة مثل هذا اللقاء دون علم المشاركين فيه؟ وكان الرجل على حق، فقد أوهمت الرئاسة من دعتهم للحضور بأنها تسعى لاستطلاع آرائهم فى قضية حساسة تمس أدق جوانب الأمن القومى المصرى، فكيف تضع لهم الكاميرات والسماعات، وتذيع مداولاتهم على الملأ، التى كان ينبغى أن تكون سرية؟ لقد قرأت على المواقع الصحفية المصرية أن السيدة باكينام الشرقاوى، مستشارة الرئيس، التى تولت ترتيب هذا اللقاء الفضيحة، أوضحت أنها نسيت أن تخبر المشاركين فيه بأن كلماتهم ستذاع على الهواء! فهل وصلنا فى عدم خبرتنا وفى انعدام كفاءتنا إلى هذا الحد؟ لو كان هذا صحيحاً، فتلك فضيحة أخرى لا تقل فداحة عن الفضيحة الأخلاقية.
أما الفضيحة الثالثة فهى مفهوم ما تفضل به هؤلاء الممثلون للمعارضة السياسية من آراء، كان بعضها صادما،ً والآخر كان مضحكاً حتى بدا التحفظ- الذى حرص على إظهاره رئيس الجمهورية، الذى لا يمكن أن يكونوا قد أخفوا عنه هو الآخر إذاعة اللقاء على الملأ، أمام العالم- أكثر تعقلاً من حديث ضيوفه، فهل كان هذا مقصوداً؟!
لقد نشرت كبرى الصحف الأمريكية «واشنطن بوست»، تفاصيل هذا الموضوع بشكل مهين لكل مصرى يحرص على صورة بلاده، ورصانة مؤسسات السياسة، حيث وصفت الآراء التى أبداها ممثلو المعارضة الموالية للرئيس مرسى حسبما قالته الجريدة، بالسذاجة والطفولية، وتوقفت عند بعضها الآخر دون تعليق، خاصة ما قاله ممثل أحد التيارات السلفية، الذى دعا لضرب السد بالقنابل، وما اقترحه آخر بنشر شائعات حول شراء مصر طائرات حربية، أو التعاون مع المعارضة الإثيوبية لزعزعة الحكم فى أديس أبابا إلى آخر تلك الاقتراحات الهزلية، التى «نسيت» مستشارة الرئيس إخبار من دعتهم للقاء بأنها ستذاع على الملأ!.
لقد أعجبنى تصرف السيد عمرو موسى، الذى لم يبخل عن وطنه بخبرته فى هذا الموضوع دون أن يسمح للرئاسة، عديمة الخبرة بالعبث باسمه بهذا الشكل، فقد أعد- حسبما قرأت فى الصحف هنا- تقريراً وافياً حول هذا الموضوع يتضمن اقتراحات محددة أرسلها للرئاسة، استجابة لطلبها استطلاع رأيه، باعتبار ما له من خبرة دبلوماسية طويلة، لكنه رفض حضور اللقاء، وكأنه رد على الرئاسة قائلاً: إذا كنتم جادين فى طلب النصيحة، فها هى موثقة كتابة، أما إذا كانت المسألة استعراضاً جديداً لتلميع صورة الرئاسة. فمثلى لا مكان له فيه. إنها الحنكة السياسية فى مقابل العبث الناتج عن عدم الخبرة.