نشرت بالأمس الخطاب المدافع عن الإخوان عملا بحق الرد، وعندى عليه عدة تعقيبات. أولاً: من الصعب الفصل بين مرسى والإخوان، فلولا جماعته من خلفه، تؤيده وتؤازره وتنزل لحمايته عند اللزوم، لتمت الإطاحة به منذ إعلانه الدستورى المُحصِّن. ومن الصعب أيضا أن نقبل الزعم بأن من يحكموننا الآن هم أفضل الموجودين! أعتقد أن مصر لديها من الكفاءات، خصوصا من طبقة التكنوقراط، ما ينتشلها من ورطتها الحالية، هذا إذا تم تغليب الكفاءة على الولاء، وهو الأمر الذى لم يحدث حتى الآن، والدليل الإصرار غير المفهوم على حكومة هشام قنديل.
تقول الرسالة أيضا إن مصلحة الإخوان فى تحسين الأحوال ثم تُرتّب على عدم حدوثه مظلوميتهم!! ألا يعلم الطالب البليد أنه سيمتحن آخر العام وبرغم ذلك لا يذاكر؟. ألا توجد عوامل أخرى كنقص الموهبة والغباء السياسى وعدم التوفيق!
ونأتى لصلب الموضوع. تؤكد الرسالة أن هناك حالة تربص بمرسى على جميع المستويات! فهو يسبح فى بحرٍ مُقيّد اليدين والقدمين! أجهزة الدولة لا تتعاون معه! ولاعبوه يحرزون الأهداف فى مرماهم، وأنا أوافقه على هذا، ولكن ألا يدل ذلك على أن قرار الإخوان الأول بعدم الترشح للرئاسة كان هو القرار الصحيح. وأن تغييرهم الرأى ودفعهم بالشاطر ومرسى كان تعجّلا لقطف ثمرة لم تنضج بعد، وأن المجتمع لم يكن مهيأ لحكم الإخوان المسلمين!.
ثم ما ذنبى كمواطن عادى، إذا كان الرئيس عاجزا عن القبض على السلطة والوفاء ببرنامجه الانتخابى؟! هل يُطلب منى أن أصطلى بالويل لمجرد أن مرسى لا يستطيع السيطرة على أدوات الدولة؟ ولماذا لا يترك المسؤولية ويرحل مادام غير قادر عليها؟! إننا لا نتحدث عن مرسى برفاهية البحث التاريخى لنعرف هل هو طيب أم شرير!! وإنما نصطلى بنار الدولة الفاشلة فى الفوضى وانقطاع الكهرباء وشح الوقود والغلاء المتصاعد. وأنا لست مضطرا لتجرع المرّ لأنال شرف أن يحكمنى الإخوان المسلمين.
وأشير فى عجالة إلى عبرة التاريخ فى سيرة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه، لم يكن هناك شك فى محبة الرسول الخارقة له ولا فى شجاعته وتقواه، لكن الوسط المجتمعى وقتها كان مجافيا له، إما خوفا أن يُعيد سيرة عمر فى التقشف والمحاسبة بعد أن ذاقوا ترف العيش فى عهد عثمان، وإما لعصبيات قبلية لم يسلم منها حتى خير البشر، وكراهيتهم أن يجمع بنو هاشم بين النبوة والخلافة، وإما لثأر قديم بسبب دماء بنى أمية التى أراقها «على» فى حروبه مع المشركين، وإما لطبيعته الشخصية التى لا تعرف المداهنة ولا تَعِد بمنفعة على حساب أموال المسلمين، كل هذه العوامل مجتمعة أفضت إلى عدم القبول المجتمعى لخلافة عليّ رغم تسليم الجميع بصلاحه، هذا البغض المكتوم أعاقه عن تنفيذ برنامجه الإصلاحى، فقال قولته الشهيرة: «لا رأى لمن لا طاعة له»، ثم انحدرت الدولة إلى حروب أهلية، ومن ثَمّ استشهاده، وتحولت الخلافة إلى ملك عضوض.
لا أقصد بالقطع مقارنة بين مرسى والإمام على فشتّان بين الثرى والنجوم. ولكنها إشارة سريعة إلى أهمية الملاءمة المجتمعية لقبول حكم فرد أو جماعة، يفهمها أصحاب العقول.