1-ملامحه:
هذا وجه غامض، بعينين مخيفتين، وفم يسيل منه دم بشرى.
ملامح لا تليق بالذى يمتهن تأويل النبوءات.
المفسرون أخطأوا فى تفسير سر نقطة سوداء فى جبينه.
النقطة السوداء ليست عنواناً، ولا نجمة نصر زائف، إنما جُرح الخزى، وعلامة الخيبة والفرار فى الظلام بحثاً عن مكان آمن، حين كان مطاردا بجرم العمالة.
هذا رجل غريب اللسان.
يقول إنه مثال الشجاعة فى المنازلة والمبارزة، والانتصار حليفه، ينتظر موتاً مشرفاً أو مجابهة يعرف كيف يحسمها فى وقت مناسب.
وقت لا يجىء ورضوخ لا ينتهى، لأن تاريخه فى كلمتين «هارب من العدالة».
على وجهه رسم لنشوة من يقف بسلاحه فوق قبور أعدائه. وفى قلبه خريطة من الهزائم، وحكايات عن الخيانة وبيع الأوطان، ومعالم للمدن المحاصرة بالفقر والإرهاب، وبين أصابعه مفاتيح لبيوت مهدمة.
هذا رجل يسكنه الكبر ويعميه الجهل.
نصّب نفسه سيداً على عالم من البؤساء، وجرحى هزائمه، ومرضى كراهيته وظلمه وخداعه وتلاعبه بأحلام الجوعى.
كل الذين مروا أمامه امتلأوا غماً وكمداً، حين شاهدوا الدماء فى عينيه.
إن تحدث فلابد للغضب الحضور، وعلى الجميع ابتلاع عفن الحروف، وغث الكلام.
هذا رجل كاذب.
بات أنيقا ومباهيا بثيابه النظيفة وعطوره الفواحة، بعدما كان يتدثر بالخيانة، ويتغطى بعباءة الوعظ.
يرى نفسه سيد الولائم، ينتظر كل يوم ابتهالات أصحاب الكروش المنتفخة، وتقبيل يده لتدوم النعمة، كما يقبل هو يد ورأس سيده، وإلا ستزول وتحل النقمة.
فى الليل يبحث عن عصابته من مجرمى المدن وإرهابى الحارات، ومخادعى القرويين، ليخلع أمامهم جلباب الخديعة وقناع الملك، ويصبح سيدا لعصابته
يصافح الأيدى مبتسماً ويتمنى لو قطعها.
يضع قتلاه تحت قدميه، ويستطيب تاج الغار على رأسه.
يبيع كل يوم قطعة من أرض يكرهها، ويرهن قطعة ثانية لدولة من العملاء.
ينحنى حتى يقبّل أصابع الأقدام، إن هبت عاصفة عاتية، ويرفع قامته كشبح إن سكنت الرياح.
فى ابتسامته غدر، وفى تواضعه طمع، وفى سلامه خيانة.
أمامه تعلو الضحكات، وخلفه يمزق البكاء نياط القلب.
فى حضرته كل الوجوه أقنعة.
فى صحبته يمر اليوم خاصماً من العمر سنة إن لم يخصم العمر كله.
هذا رجل محكوم بالغباء والغطرسة.
مسكون بالغرور والخداع.
إنه من أسقط من ذاكرتنا الأسماء.
2-رسالة:
وحدك ذهبت جامحاً كطائر انفلت من محبسه.
وحدك جئت محلقاً بجناحين منكسرين، ورأس منكّس وقلب ممزق، مطلى بالسواد.
أنت اخترت أن تملأ جوفك بجيفة، فلا تلقِ بأوزارك على الآخرين لأنك أصبحت قاتلا.
أنت من اختبأ فى بطن أفعى وتشرب من سمها وخرج من جرحها، فلماذا تندهش حين يفر منك الناس؟
تُقدم القرابين كل ليلة لشياطينك ولا تفوز بالغفران.
كنت غرابا تحمل بين أصابعك الفراخ الصغيرة لتبتلعها بعيدا عن العيون، فأصبحت ضبعا يلتهم الفرائس بفرح عظيم.
كنت مخادعا فى صمتك..مداهنا فى كلامك، فاخترت عفن الكلام للسانك.. والزيف لبهجتك.. والاختباء عنواناً لحقيقتك.
أوهمت نفسك بأنك بلغت مجداً، شيدته على عظام وجماجم، وأنت «سارق الفرح»
تقف وعشيرتك على ربوة من رمال ناعمة، حتماً ستغرقك، وساعتها لن تجد من ينجدك حتى لو ملأ صراخك البرية، لأن عصابتك ستفر أولا.
دائماً كنت تخاف من الظلم، لم تشارك فيه ولم ترفعه يوماً، وحين حكمت بين الناس لم تعرف العدل، واخترت الباطل المدهون بالكذب درعا لك.
أصبحت جباناً يدعى الشجاعة، كاذباً يدعى الصدق، متآمراً يدعى الإنصاف، تكره الحق وتحب الفتنة، وتظن أن لك فى الأرض ما ليس للبشر.
الآن أسألك:
هل تنام عميقاً؟
هل تتذوق طعامك بلا شكوك؟
هل ترتشف قهوة الصباح بقلب بارد؟
هل تبصر الحقول بفرح؟
هل تصافح الناس دون خوف؟
وبما أنك لا تمتلك الصدق، فلن تجيب.
ولأنكَ لا تبكى بعض الوقت.. فهذا طريقكَ.
أن تمهد الأرض لقبيلتك الهمجية لتشيد مجدها على عظام الوطن وجماجم الشعب، لكن ثق أن المجرم مهما كثرت جرائمه وتعددت ضحاياه يظل مجرما، ويظل خائفا حتى يصبح الخوف حقيقة.