قال أحد الخواجات راقب نفسك فى كل مرة تفكر فيها، فربما يكون كل ما تفعله هو إعادة ترتيب لأحكامك المسبقة المستقرة فى عقلك، والواحد يتمسك بكل ما استقر فى عقله بطريقة مقدسة، ويخشى إن راجعه بصدق أن يفاجأ بأنه أهدر عمره أو أهدر فرصا ما نتيجة ما كان يعتقد أنه جواب نهائى صحيح.
مراجعة الأفكار تنطوى على قدر ما من المشقة، على الأقل مشقة الاعتراف بالخطأ أو مشقة جهاد النفس المغرورة بما استقر فى يقينها، لذلك تبدو مراجعة الأفكار المستقرة من شيم المغامرين العظماء، الذين لا يضيرهم أن يكتشفوا عمق المسافة التى قطعوها فى طريق لا يفضى إلى شىء، ولا تعرف اللوعة طريقها إلى قلوبهم إذا ما تأكدوا أن عليهم أن «يلفوا ويرجعوا تانى»، تلك اللوعة والحسرة التى تصيب العاديين يترجمها المغامرون إلى أمل ما على الأقل فى شكل جديد للحياة سيصل بهم هذه المرة إلى حيث يحلمون.
أو كما قال برنارد شو «أولئك الذين لا يغيرون عقولهم لا يغيرون شيئا»، ستظل تدور فى المتاهة نفسها حتى تصل إلى النقطة التى تصل إليها كل مرة، محملا بمقولة صلاح جاهين «وأخرج وحيرتى أشد مما دخلت»، أرقى الأفكار تحتاج إلى المراجعة، إخلاصك التام لفكرة الحرية يحتاج إلى مراجعة، لأنك فى لحظة ستتحول إلى عبد لفكرة، فماذا أضافت إليك فكرة الحرية، وهى تسحبك مكبلا بالسلاسل والجنازير، هل راجعت إيمانك المطلق بالحرية قبل أن يكون إيمانك بها إيمانا بالفوضى أو على أقل تقدير تجسيدا للعبودية؟
أراجع دوما أفكارى المستقرة فى كل شىء، بداية بالطعام الذى أحبه، نهاية بالأشخاص الذين لا أحبهم، ما بين اكتشاف لطعام ضيعت عمرى دون أن أستمتع به، نتيجة عقدة من الطفولة وبين التخلص من كراهية ما تؤرقنى ولا تؤرق طرفها الثانى تتجدد الحياة، بداية من مطربى المفضل، نهاية بالأفكار السياسية ما بين عوالم أخرى من الفن كنت أجبن من أن أكتشف حلاوة ما فيها وبين ربط عشوائى بين الأفكار والمروجين لها يحرم الواحد من نظرية ما سليمة تماما، ولكن كل ذنبها فيمن قام بتطبيقها، بداية من الإخلاص لحلم ما والسخرية من طريقة حياة الآخرين، ما بين اكتشاف أن حتفك فى أن يتحقق هذا الحلم، لأنك لا تقوى على توابعه وبين التعرف على الأماكن التى يخبئ فيها هؤلاء الآخرون الذين لا يعجبونك سعادتهم التى لم تجربها من قبل.
فى كل مرة تراجع فيها أفكارا يولد بداخلك شخص جديد بحياة جديدة، تخسر نفسك عندما تحول أفكارك إلى أصنام تتعبد فى محرابها، لكن عندما تتركها حرة فى حركتها ستحقق حلما قديما داخلك تنساه كثيرا، حلم أن تطير بجناحين.