ودعنا الأسبوع الماضى مهرجان «كان» بأفلامه الكثيرة وخيباته المريرة وجوائزه التى أثارت الأسئلة أكثر مما طرحت من إجابات، ما رأيكم أن نعود إلى البدايات، نعم، لأول لمحة طالعتنا فى الدورة رقم 66، التى صارت تحمل لقب السابقة، هل تتذكرون أفيش المهرجان، الذى يتغير من عام إلى آخر، فى هذه الدورة جمع بين الزوجين بول نيومان وجوان وودوارد فى قبلة شهيرة تبادلاها فى فيلم «نوع جديد من الحب»، وبالطبع مر الأمر هادئا فقط، تذكروا الفيلم والنجمين، منذ نحو عامين انقلبت الدنيا فى مصر وعدد من الدول العربية بسبب قبلة بريئة طبعها محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية على خد أنجلينا جولى فى مهرجان «برلين»، كان البرادعى باعتباره رئيسا للجنة التحكيم الخاصة بالأفلام التى تحمل رؤية إنسانية قد قرر على هامش المهرجان منح الجائزة لأنجلينا فى أول تجربة لها فى الإخراج عن فيلم «أرض الدماء والعسل»، ولكن البعض اعتبرها خيانة للنضال الوطنى.
والقبلات التى أثارت عواصف من الغضب كثيرة، أتذكر واحدة منها قبل نحو سبع سنوات جمعت بين ريتشارد جير والفنانة الحسناء الهندية شيليا شيتى، وكادا يقعان تحت طائلة القانون الهندى الذى يصل فى هذه الحالة للسجن ثلاثة أشهر أو الغرامة أو الاثنين معا، إنها القبلة المحرمة التى أدت إلى اندلاع ثورة مظاهرات فى العديد من مدن الهند ونيران غضب لم تهدأ، هل كانت تلك القبلة تستحق التعرض للسجن ثلاثة أشهر، ألقى نظرة على شيليا شيتى واحكم أنت؟! لو تذكرت فيلم «Shall we dance» «دعنا نرقص» بطولة ريتشارد جير وجينفر لوبيز، الذى عرض قبل 10 سنوات، لاكتشفت أن جير كان يحاول محاكاة أفيش الفيلم العالمى بهذه القبلة الاستعراضية، ولدينا نسخة من الفيلم قدمتها إيناس الدغيدى، بطولة يسرا ومحمود قابيل باسم «خلينا نرقص». التاريخ الفنى بل والسياسى ملىء بالعديد من تلك الأزمات التى تعبر أحيانا عن اختلاف الثقافة بين الشعوب، حيث إن القبلة على الخد فى المفهوم الغربى لا تعنى سوى الترحيب البرىء بين الرجل والمرأة، بينما القبلة على الخد بين رجلين، التى ترحب بها المجتمعات الشرقية، خصوصا العربية، هى التى تثير التساؤلات والشكوك حول طبيعة هذه القبلة الرجالى ودوافعها؟!
وإليكم بعض حكايات القبلات التى أثارت أزمة ومن أشهرها تلك التى جمعت بين فاتن حمامة وعمر الشريف فى فيلم «صراع فى الوادى» عام 1954، ولم تكن فاتن قبل هذا الفيلم تسمح بالقبلة السينمائية، وكانت فى نفس الوقت زوجة للمخرج عز الدين ذو الفقار، مما أثار الرأى العام، لتتزوج بعدها بعام واحد عمر الشريف. كان عمر أيضا طرفا فى مأزق آخر لماجدة الصباحى بعدها بثلاث سنوات فى فيلم «شاطئ الأسرار»، حيث هددها شقيقها ضابط الشرطة بالقتل بسبب قبلة جمعت بينها وبين عمر، وكاد أن يدفع مخرج الفيلم عاطف سالم حياته ثمنا عندما أخبرت ماجدة شقيقها أن عمر انتزع القبلة عنوة باتفاق مع عاطف.
قبلة أخرى شهيرة جاءت من مهرجان «كان» وبالتحديد عام 1997 ويومها حصل المخرج الإيرانى الكبير عباس كيروستامى على جائزة السعفة الذهبية عن فيلم «طعم الكرز»، كانت رئيسة لجنة التحكيم إيزابيل إدجانى النجمة الفرنسية العالمية منحت إيزابيل قبلة لكيروستامى على سبيل التهنئة الذى عاد صباح اليوم التالى من «كان» إلى «طهران»، منتظرا أن تحمله الجماهير على أعناقها، فوجهوا إليه أشد عبارات اللوم، وهو ما تنبه إليه المخرج الإيرانى أصغر فرهدى هذا العام عندما حصلت بطلة فيلمه الفرنسية برنيس بيجو على جائزة أفضل ممثلة، ودعته للصعود على المسرح، ولم يبادلها أكثر من السلام الحار بالأيدى. سألوا نجيب محفوظ عندما كان رقيبا على المصنفات الفنية فى مصر قبل 60 عاما عن القبلة السينمائية، أجابهم إنه يبيحها ما عدا تلك التى على العنق، سألوه ماذا لو شاهد قبلة فى الشارع بين فتى وفتاة أجابهم «أودى وشى ع الناحية التانية وأبتسم وأقول يا رب عقبالى»!!
إنها القبلة التى غنت لها أم كلثوم فى فيلم «سلامة» الذى عُرض قبل ميلاد مهرجان «كان» بعامين «القبلة إن كانت من ملهوف اللى على ورد الخد يطوف ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس ملام»، فهل تكتفى الناس الآن فقط بالملام؟!