ما أعرفه أن الدولة دخلت فى مساومات، منذ فترة، مع رئيس سابق لمؤسسة كبيرة، موجود فى الخارج، وكان المطلوب منه ولايزال، أن يدفع مبلغاً من المال، قيل إنه فى حدود 30 أو 40 مليوناً، فى مقابل إنهاء وجود الرجل خارج الحدود، وعودته إلى بلده دون مشاكل!
وما أعرفه أيضاً أن الرجل كان موافقاً، من حيث المبدأ، على أن تكون صيغة التصالح معه بهذه الصورة، لولا أنه تراجع فى لحظة من اللحظات، متسائلاً عن حق، عن اسم أو شكل القانون الذى يحكم تصالحاً من هذا النوع بينه وبين الدولة! أو حتى بين غيره وبين الدولة نفسها.
طبعاً.. لا قانون، وإنما هو نوع من الاجتهاد الذى قد يصيب مرة، ويخطئ مرات من ناحية الدولة، فى كل حالة على حدة، دون أن يكون هناك تشريع جامع، وموضوعى، وعادل يحكم أى مصالحة بين الحكومة ومَنْ ترى الحكومة أن للدولة حقاً عنده!
تذكرت هذه الواقعة تحديداً، حين قرأت فى صحف أمس أن رجل الأعمال الإماراتى حسين السجوانى، دفع 43 مليار جنيه، وفى رواية أخرى 42 ملياراً، مقابل وقف حكم كان قد صدر ضده فى قضية اشتهرت إعلامياً بـ«أرض جمشة»، وكذلك فى مقابل رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول، والسماح له بالتصرف فى أمواله!
وفى الخبر نفسه قيل إن صلحاً يدور حالياً بين الدولة وحسين سالم، فى مقابل تنازله عن 75٪ من ممتلكاته فى الداخل، و55٪ منها فى الخارج!
ومن قبل، كانت الحكومة قد تصالحت مع رجل الأعمال ناصف ساويرس، بعد أن تعهد بدفع 7.1 مليار جنيه للخزانة العامة، على أقساط، من الآن إلى عام 2017.
وعندما تستعرض أنت هذه الحالات الأربع، وهى مجرد أمثلة، تكتشف أنها لا يجمعها شىء واحد، ولا يحكمها قانون موحد، ولا يضمها تشريع معروف، ولكنها محكومة بظروف كل حالة وحدها دون غيرها، بما يجعل الأموال التى سوف تأتى لوزارة المالية منها جمعياً، أقرب ما تكون إلى الجباية منها إلى أى شىء آخر!
من حق الدولة أن تحصل على كل مليم لها لدى أى مواطن استولى عليه دون وجه حق، ولكن بشرط أن تكون الطريقة التى تتبعها الأجهزة الحكومية فى مثل هذه الحالة واضحة، وأن تكون المعايير معلنة وواحدة مع الجميع، وأن تكون المقاييس شفافة، وأن تتصرف الدولة كدولة، وليس كقاطع طريق يفتش فى جيوب ضحاياه عن أقصى ما يستطيع الحصول عليه!
على دولتنا أن تعمل فى هذا الملف بشكل خاص، وفى ملفاتها جميعاً بشكل عام، تحت ذلك الشعار الذى كان قد أطلقه واحد من فقهائنا القدامى حين قال: «إن الله يهلك الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة»!