هذا هو مقالى الرابع عن موقف المحكمة الدستورية بشأن بطلان مجلس الشورى، حيث طال انتظار الشعب لهذا الحكم كثيراً، ويتساءل الناس الآن: هل هذا الحكم هو نتيجة صفقة ظهرت فى نص الحكم بالمواءمة، وهل مازالت المحكمة خائفة من الإخوان؟ ولماذا لم تقدر متطلبات الثورة إذا كانت قد دخلت المواءمة أسئلة تفرض نفسها على هذا الحكم بعد أن كشفت وسائل الإعلام عن زيارات متكررة تمت قبل صدور الحكم قام بها اللواء ممدوح شاهين «وزارة الدفاع»، ومعه السيد بجاتو، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية ، قاض سابق بالمحكمة الدستورية، للمحكمة الدستورية دون مبرر واضح، الأمر الذى يكشف عن إصرار السلطة التنفيذية على التشكيك فى التدخل فى هذا الحكم بهذه الصيغة التواؤمية «إمساك العصا من المنتصف»!! وقد لا يكون ذلك هو الحقيقة، التى تملكها هيئة المحكمة بكل تأكيد، إنما المحلل السياسى يمارس وظيفته من خلال قراءة الشواهد وتحليل النصوص، وفى هذا الإطار يمكن تقديم هذه القراءة السياسية:
1- لم يكن مستحباً أن تتم زيارة وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية بصحبة ممثل وزارة الدفاع قبل صدور الحكم، استبعاداً لشبهة التدخل فى أعمال السلطة القضائية، وكان على المحكمة أن ترفض استقبالهما أو تصدر بياناً رسمياً بأسباب الزيارة درءاً للشبهات، وإلا ستظل الشبهات قائمة فى أذهان الشعب، الأمر الذى يؤكد عدم استقلال القضاء أو على الأقل الشبهة فى ذلك!!
2- مضمون الحكم هو بطلان مجلس الشورى منذ تكوينه «انتخابه»، لأنه مؤسس على نظام انتخابى باطل وغير دستورى، وسبق للمحكمة أن حكمت فى هذا الشأن ببطلان مجلس الشعب، لأنه مؤسس على نفس النظام الانتخابى، ولم يكن الأمر يحتاج إلى عبقرية قانونية فى «الدستورية» لإثبات ذلك بسرعة، وإصدار الحكم فى شهر أغسطس 2012م، ولكن المحكمة ماطلت وأجلت وخافت وخانت الثورة فى الوقت المناسب، وعندما اضطرت للحكم كان قد دخل على الخط دستور إخوانى هو فى الأصل باطل، كما سبق أن قلنا عن مجلس الشورى، الذى ثبت بطلانه قضائياً، بينما هو باطل شعبياً وسياسياً مثل مجلس النواب، وبالتالى مثل هذا التأخير فى صدور الحكم خضع للضغوط وإدخال المتغيرات فى المعادلة والمواءمة والصفقات.
3- أثر الحكم فى «الدستورية» عند البطلان طبقاً لنص قانون المحكمة هو التنفيذ الفورى لا المؤجل، ولأول مرة يصدر عن المحكمة الدستورية حكم ببطلان نصوص دستورية، ثم يستمر العمل بهذه النصوص إلى حين، والسؤال: ماذا عن قانونية ودستورية- فيما بعد- ما يخرج عن هذا المجلس الذى صدر حكم واضح ببطلان تكوينه منذ نشأته؟! فالرئاسة صرحت إن كل شىء سيسير كما هو، وأن مجلس الشورى باق، وسيستمر فى عمله التشريعى بشكل كامل!! وماذا عن قول المحكمة ورئيسها عقب الحكم، الذى تضمن أن استمرار «الشورى» منوط به إتمام القوانين الانتخابية، وإلى حين تكوين مجلس النواب!! ألا يستدعى ذلك الرد الفورى من المحكمة فى بيان رسمى يلحق بالحكم، أم تستمر حالة الغموض المعتادة؟! وللعلم فإن استمرار نصوص سبق عدم دستوريتها للعمل بها، سابقة خطيرة لم تحدث من قبل المحكمة الدستورية فى مصر. فجميع أحكامها بعدم الدستورية تنفذ فوراً، وملزمة لجميع مؤسسات الدولة، وانظروا لحكم المحكمة فى حل مجلس الشعب، ومن ثم فإن ذلك يفجر قضية المواءمة والصفقات التى تفقد المحكمة اعتبارها ومكانتها لدى الشعب، وتعطى للمتقولين عليها فرصة التطاول، الذى نرفضه مهما كانت الأسباب، وكان الأولى للمحكمة أن تكون المواءمة مع الثورة لا مع الفاشية المتمثلة فى الرئيس غير الشرعى، وجماعته غير الشرعية أيضاً.
4- أصدرت المحكمة حكماً بعدم دستورية معايير تكوين «التأسيسية» الدستور، وفى ظل سيادة قاعدة «ما بنى على باطل فهو باطل»، فإن الدستور الإخوانى أصبح باطلاً، لأن أساسه باطل، وبالتالى كان على المحكمة ألا تستند فى مواءمتها فى استمرار مجلس الشورى رغم بطلانه إلى نص المادة «230»، التى حصنت استمرار الشورى من هذا الدستور الباطل، فضلاً عن ذلك فإن ما ورد فى الحيثيات التى قرأتها بعناية أن النص الدستورى لا يجب أن ينظر فى أمر بأثر رجعى، وتلك هى القواعد القانونية، وهذا يرتب ضرورة عدم الاعتداد بهذا النص الدستورى، لأنه يحصن مؤسسة بأثر رجعى، وكذلك يحصن رئيساً بأثر رجعى، وكلاهما غير دستورى، ألم تدرك المحكمة أنه لا علاقة لها إلا بالنصوص، والرد: لماذا إذن جاءت المواءمة فى هذا الحكم ولأول مرة يؤجل تنفيذ حكم لها؟! أليس ذلك يفهم سياسياً بمنطق الصفقات؟!
5- ما حقيقة الصفقة فى هذا الموضوع؟ أستطيع التكهن بأن المحكمة قبلت استمرار «الشورى» بشروط عدم الاضطلاع بالتشريع إلا فى حدود قانون الانتخابات لتكوين مجلس الشعب «النواب»، وبالتالى إرجاء قانون السلطة القضائية محل الجدل بين القضاة والرئيس وحكومته وحزب الإخوان والجماعة، ولذلك إذا حدث وتم الإرجاء لهذا القانون، تكون الصفقة مؤكدة، أما إذا لم يحدث فقد يكون هناك ما خفى، ولكن ظهور الحكومة وممثل وزير الدفاع فى المشهد يؤكد الصفقة التى ستؤكدها الأيام التالية.
وختاماً: يمكن القول بأن المحكمة أرادت أن ترضى جميع الأطراف فخسرتهم جميعاً، وخسرت نفسها، فقد جاء البطلان متأخراً لمجلس الشورى، ومؤجل التنفيذ فى سابقة غير معهودة ممزوجة برائحة الصفقة أكدتها زيارة وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية وممثل الدفاع للمحكمة الدستورية، ولكن القول الفصل أصبح لـ«تمرد» فهى الحل، ولم يعد 30 يونيو ببعيد، لأنه سيقلب كل الموازين، وعلى الظالمين تدور الدوائر- بإذن الله. الثورة مستمرة حتى النصر- بإذن الله. ولايزال الحوار متصلاً.