بدأتُ ظهر أمس الاحتشاد لهذه السطور ونيتى خالصة لوجه الله والوطن، أن أعلق على نبأ عجيب تسرب من يومين وملأ الدنيا لكن أحدا لم ينفه ولا فسره أو وضحه مسؤول فى «جماعة الشر» السرية التى تحكمنا حاليا بالعافية والبطلان والخيبة القوية، وعلى وشك أن توصلنا بالسلامة إلى التهلكة شخصيا.
فأما النبأ فيخص السيدين المبجلين الخرافيين العابرين لكل العصور والعهود السوداء (شىء مختلف قليلا عن «الشموع السوداء») أى سيادة اللواء التاريخى المزمن ممدوح شاهين وأخيه التاريخى المزمن كذلك، المستشار السابق والوزير الحالى حاتم بجاتو.. نبأهما يقول إن جنابهما قاما (مجتمعين أو منفصلين لست متأكدا) بزيارة إلى مقر المحكمة الدستورية العليا قبل (أو قبيل) نطقها بالحكم المدوى الأخير الذى قضى ببطلان مجلس الشورى المعروف اختصارا بـ«معمل الطرشى التشريعى»، وأيضا بطلان «الجمعية الاستهلاكية التأسيسية» التى فبركت فى ظلام الكهوف دستور الست «الجماعة» وأتباعها!
لقد كان عبد الله الفقير يريد أن يكون تعليقه على هذا النبأ الهائم على وجهه فى البرية موزعا بين أمرين، أولهما يتعلق بدلالة الطناش والخرس الذى تعامل به السادة أحباب «الست» مع أن هذه الزيارة التى لو صحت (وأظنها كذلك) فهى تمثل جريمة خطيرة مكتملة الأركان اسمها محاولة التأثير على العدالة (أيكون قضاء المحكمة بإرجاء نفاد أثر البطلان نتيجة لهذه الزيارة؟! الله أعلم)، والأمر الثانى هو تحليل ظاهرة الأخوين «شاهين بجاتو» من حيث ملامح الشبه والاختلاف عن الثنائى الكوميدى السينمائى التاريخى «لويل وهاردى».. لكن رحمة الله الواسعة أدركت هذا الثنائى الأخير فى آخر لحظة، إذ هبطت على رأس حضرتى فجأة إحدى تجليات «الفنكوش النهضوى الإخوانى المرسوى»، فانقطعت الكهرباء وتوقفت «المروحة» عن الدوران والزن وتركتنى نهبا لفرهدة جسمية وعقلية لم أفلح معها فى كتابة شىء سوى سطور نواح وشكوى، أرجوك أقرأها واغفر لى:
… الكتابة فى قيظ الصيف فعل مكروه ومضن، غير أنه فى الشتاء ليس أفضل حالا، خصوصا فى وجود فضيلة الأخ الدكتور مرسى و«إخوانه» فوق قلوبنا.. ومن تكون الكتابة حرفته مثل العبد لله قد يعتبره أغلب الناس محظوظا لأن المولى تعالى أفاء عليه بنعمة ليست ميسرة إلا لقليلين من عباده، وهو أمر صحيح طبعا، لكن أن تكتب هاويا مدفوعا بإلحاح الرغبة فى التعبير فحسب شىء مختلف نوعيا وكليا عن أن تكتب ملزما ومواظبا وملتزما بواجبات الوظيفة وضرورات أكل العيش. ويظهر الغبن والمكابدة واضحين وثقيلين لدرجة ينوء بحملهما الجبال عندما يختار الكاتب المحترف أن يقيد نفسه بالصدق وشرف الكلمة ونبل المقصد (بغض النظر عن الخطأ والصواب) وأن يجاهد طول الوقت لكى يحافظ على «قيمة ما» لما ينشره على الناس.
هذه السطور ربما تكون نواحا فعلا، لكنها ليست شكوى تماما، فالشكوى أصلا لغير الله مذلة ومهانة لا لزوم لها، فضلا عن أن القراء لا ذنب لهم ولا يعنيهم أن شخصا فى هذه الدنيا امتهن الكتابة وترك فرصة أن يعمل كواء (مكوجى) مثلا، أو سباكا أو حتى «صايع لا شغلة له ولا مشغلة إلا أذية عباد الرحمن» على نحو ما يفعل حاليا الإخوة فى «جماعة الشر» وخداميها بالأجرة عموما، وخصوصا تلك «الصراصير البيضاء» التى يسرح بعضها على صفحات الصحف وبعض شاشات التلفزة هذه الأيام.
ومع ذلك أظن أن من حق القارئ الكريم ومن حقى عليه أن يتقبل ويتسع صدره، ولو على سبيل التسلية، لشىء من البوح هو فى الحقيقة أقرب للاعتراف بأننى شخصيا (لا أستطيع الكلام باسم كل زملائى) موزع النوازع ويكاد يهرسنى التناقض بين شعورى أحيانا بالضيق والحنق على الأقدار التى ألقت بى فى رحاب هذه المهنة المضنية، وبين إحساس عارم بالسعادة والفرح وربما الفخر فى أحيان أخرى!
ومن آيات الشقاء أنه لا فاصل زمنيا معقولا بين الحالين والحينين، فكثيرا جدا ما يحدث أن أبدأ الكتابة منهكا حانقا، ثم ما إن يتكرم ملاك الصفاء الذهنى ويحضر فيكتمل احتشادى واندماجى حتى يغمرنى شعور بالراحة والرضا لا يمكن وصف حلاوته.. ولا أنسى الجائزة الكبرى التى قد يحصل عليها عبد الله الفقير عندما أصادف أحدا يقرؤنى ويسرف فى الذوق والكرم مادحا بعض ما أكتب فأرتبك وتحمر أذناى وتحلق روحى فى أعلى سماوات السعادة التى سرعان ما أهبط منها خائفا مرتجفا من عظم المسؤولية تجاه قارئ منحنى حسن ظنه عن بعد وبغير دليل مادى سوى كلمات وسطور توسم فيها شيئا من الصدق أعجبه، أو رأيا وافق رأيه بالصدفة..
وما دمت صدعت رأسك باعترافاتى، فعشمى أن تكمل جميلك ومعروفك وتسمع (مشيها «تسمع» مع أنك تقرأ) باقى معاناتى ومكابدات كاتب يكتب وهو ينظر طول الوقت حوله متحسبا وخائفا من ألف شيطان على الأقل، ليس أقلهم شرا شيطان «التكرار» وإعادة إنتاج ما كتبناه وصرخنا به ألف مليون مرة من قبل، لأن الشياطين التى تحكمنا حاليا، بعدما ورثتنا من الشياطين «المخلوعة»، مخلوقة بأذن من طين وأخرى من زفت الطين!