ضحكت كثيرًا من ترديد البعض فكرة اختيار وزير ثقافة يُجمع عليه المثقفون، هل اجتمع المثقفون يومًا على رأى أو شخص؟
نعم، ينبغى التخلّص من وزير الثقافة الحالى علاء عبد العزيز، الذى لعب الدور الأكبر فى اتحاد الفرقاء ضده، هذه نقرة، أما أن نرى المثقفين معًا إيد واحدة، فهم كذلك فقط فى إزاحة علاء، ولكنهم عشرات من الأيادى المتعاركة والمتناقضة عندما يتعلّق الأمر بالبحث عن الوزير القادم. ملحوظة لا تنسوا أن القطاع الأكبر منهم كان متعايشًا مع الفساد الذى نما وترعرع فى جنبات وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى، أى أنهم طوال ربع قرن وهم يتنفسون فسادًا، وقلة منهم فقط هى التى أعلنت التمرّد والباقى كان إما داخل الحظيرة أو كان موقعه هو حراسة الحظيرة.
ماذا بعد أن انتهت المهلة التى منحوها للدولة 72 ساعة لكى تقيل وزير الثقافة و«إلا»، حتى الآن لا تزال «إلا» تعنى كل الاحتمالات، ربما مزيدًا من المظاهرات وإغلاقًا للمسارح وإضرابًا عن الطعام، الدولة لن تستجيب بسهولة بالطبع إلى غضبة المثقفين، وهو على المقابل لن يتقدّم باستقالته، أنا أرى مثلما يرى آخرون أن هناك فسادًا ماليًّا داخل الوزارة، وهو الشعار الذى رفعه علاء عبد العزيز للتطهير، ولكنه بدأ بتوجيه ضربات عشوائية، لم يستقطب فصيلًا ضد فصيل، ضرب كل الفصائل وبينها شرفاء، ولهذا وقف الجميع ضده. تستطيع أن ترى أغلب المثقفين وهم أقرب إلى مجموعة متنافرة، تابعتهم على مدى ثلاثة عقود وهم لا يعنيهم سوى فقط الحصول على قضمة من التورتة، كثيرًا ما كان فاروق يلقى إليهم بالفتات.
علاء برعونته ولأنه يتحرّك وفق توجهات إخوانية تجعل كل قراراته تصب فى زيادة مساحات الاحتقان وتوحّدها ضده، وآخرها احتماؤه بحضن الجماعة، سيُعجّل كل ذلك بإقصائه، إنه ليس الشخص القادر على التطهير، أفسد فاروق حسنى الكثير، ولكننا نفاجأ الآن بمَن يترحّم على أيامه، نعم ما نعيشه الآن يجعل مع الأسف البعض لا يملك سوى الترحّم على زمن مبارك بكل فساده ومفسديه.
يجب أن نقنن الغضب وأن لا يمتد إلى كل ما له علاقة بالوزير الحالى، تخلّصوا من الوزير الإخوانى المونتير علاء عبد العزيز، هذه ليست محل خلاف، ولكن لا داعى لأن يهين أحد مهنة المونتاج الذى هو روح الفيلم السينمائى، ربما كان مونتيرًا رديئًا، ولكن المهنة عظيمة، فقط للتذكرة سوف نكتشف أن كبار مخرجينا بدؤوا فى حجرة المونتاج مثل نيازى مصطفى وصلاح أبو سيف وكمال الشيخ وهنرى بركات وحسن الإمام، الرجل سيغادر الوزارة، ولكن ليس فى 72 ساعة، هناك معركة ستخوضها الدولة ستعتبرها قضية كرامة، ولو حدثت فهى سابقة قابلة للتكرار فى كل الوزارات الأخرى، ولهذا فهى ستقاوم، وعلى المقابل سوف يتشبث المثقفون بموقفهم أكثر وسيتم التصعيد فى معركة عض الأصابع.
لا أثق كثيرًا فى اختيارات العديد من المثقفين، خصوصًا هؤلاء الذين يقيسون المواقف بمقدار حصولهم على المكاسب، والدليل أن صابر عرب وجد أكثر من مثقف يضعه الآن فى مصاف الأبطال المناضلين، تخيّلوا الرجل الذى وافق على أن يستحوذ على جائزة الدولة التقديرية فى لعبة مكشوفة يجد مَن يعتبره بطلًا، الرجل الذى تعوّد على أن يمارس لعبة الشقلباظ بين المثقفين والإخوان، الذى لم يتفوّق فى شىء سوى اللعب بورقة الاستقالة، إنه الماسك بالعصا من المنتصف، هناك مَن يريد أن يعيد إليه مجددًا عصا الوزارة، آفة حارة المثقفين أنهم كثيرًا ما تصبح دائرة مصالحهم هى دائرة قناعاتهم، علاقة المثقف بالسلطة، خصوصًا منذ ثورة 52 تجعلنا نتحفظ كثيرًا على اختياراتهم، لقد شاهدت أحدهم لأنه صديق لصابر وهو ينافق الرجل فى كل مقالاته وأحاديثه المرئية والمسموعة على أمل أن يعود للكرسى ويردّها له.
فساد وزارة الثقافة فى عهد فاروق حسنى لم يكن فسادًا فقط لعدد من الكبار داخل الوزارة، جزء من المثقفين خارج الوزارة كانوا ضالعين فى هذا الفساد، وكثيرًا ما نالهم مكافآت تحت الترابيزة.
يسقط الوزير الإخوانى، شعار عظيم، نسعى جميعًا لإسقاطه، ولكن علينا وبنفس الدرجة أن نكون صرحاء لنؤكّد أن الفساد مستشرٍ، نُسقط الوزير الحالى ويبقى الهدف الثابت هو تطهير الثقافة من الفاسدين داخل وخارج الوزارة!!