بدأت كتابة تلك الخواطر صباح أمس. سمعت عن حكم الدستورية. تابعت باهتمام ما يحدث فى تركيا. نحّيت هذا وتلك جانباً. سوف أعود إليهما. اليوم أريد أن أكتب للمصريين عن إهانتهم للمياه. نهر يتغنون به. يتباكون عليه. يخشون أن يضيع. لا يقومون بعمل من أجل حمايته. الحفاظ على مالهم فيه. مالهم حتى الآن.
شىء فى شخصية المصرى. ينظر تحت قدميه. يدوس بقدميه ما ينظر إليه. لا يبصر ما أمامه. يهدر ما فى يديه. ينفعل. يهدأ كما انفعل. كلمة تذهب به. كلمة تأتى به من حيث ذهب. يثور من أجل النيل. يطلب الحرب من أجل الماء. لا يعرف تكلفة الحرب. لا يحافظ على الماء. سوف تكون الدموع الغالية أرخص من شربة ماء.
يغسل المصرى سيارته بالماء. يرش الطريق بالماء. يقذف بقاذوراته فى مجرى الماء. يفتح الصنبور. يملأ حوض الاستحمام، أيا كان حجمه أو نوعه، فاخر أو عادى. يغسل أسنانه بلترين، إذا غسل. يحلق لحيته بماء يجرى، إذا اهتم. يصرف مخلفاته بعشرين لتراً. يترك حمامه دون صيانة سنوات. يبكى بعد ذلك لأن إثيوبيا تبنى سداً على النيل.
يشغل المزارع ماكينة المياه. يروى الأرض منذ ألوف السنين غمراً. لم يكن عدد مبتكرى نظام الغمر ٩٥ مليوناً. ينام المصرى إلى جانب الماكينة. تغرق الأرض حين يتوفر الماء. يذهب أغلبه إلى المصرف. يشكو المصرى حين تجف الترعة. يقول: الأرض عطشى، لا أجد رزقى، لا يمكننى أن أزرع وأحصد. يلوم الحكومة قبل أن يلوم نفسه. لا ترشيد، لا نظام، لا احترام لماء النيل الذى نبكيه جميعاً.
يهتم المصرى بالنيل يوماً. ينساه بعد يوم. يهتم بأحداث تركيا. ينساها بعد يوم. يهتم بأحكام الدستورية. قد ينساها بعد يوم. هذه الشخصية هى التى سوف يضيع بسببها النيل. لن يمكن بناء المستقبل دون أن تبنى نفسها. تعرف كيف تتصرف. تعرف ما هى مصلحتها. تدرك واجبها. تقوم بما عليها. تتخلى عن عاطفيتها. تحكّم عقلها. كل مشكلات مصر نبعت أولاً من شخصية المصرى. تستمر إذا استمر فى تجاهل ذاته. النيل ينبع فى داخل كل مصرى. حارب نفسك أولًا. المنابع هنا لا فى إثيوبيا.