قضت المحكمة الدستورية العليا، صباح أمس، بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى، وقضت أيضاً بعدم دستورية انتخاب اللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور المشؤوم الحالى!
ومعنى هذا أن «الدستورية» أعادت «الشورى» و«التأسيسية» معاً إلى المربع الأول، ثم إن معنى هذا كذلك، أن الذين نبهوا، منذ وقت مبكر، إلى عدم جواز منح «الشورى» سلطات تشريعية كاملة، كما هو حاصل حالياً، كانوا على حق تماماً، وكان معهم على الحق نفسه الذين نبهوا مراراً، وانقطعت أصواتهم من طوال التنبيه، إلى أن دستوراً لبلد محترم كمصر لا يمكن أن يوضع بالطريقة التى وضعت بها اللجنة التأسيسية إياها دستورنا المشوه القائم فى اللحظة الراهنة!
ومع ذلك كله، فإن على جماعة الإخوان، إذا كانت ثورية حقاً، أن تستقبل الحكم بحسن نية، وأن تتجاوب معه، وألا ترى وراءه أى مؤامرة من أى نوع، لا لشىء إلا لأن المحكمة الدستورية محكمة مصرية، كما أن الثورة مصرية، وكما أن الإخوان أنفسهم مصريون، ولكن مشكلتهم أنهم مصريون على طريقتهم، وحسنو النية على طريقتهم، التى تخلو من الاجتهاد، ومن إعمال العقل، ومن الإبداع، ومن الخيال.
الحكم الصادر، صباح أمس، إنما هو فرصة العمر للإخوان، إذا أرادوا إصلاحاً حقاً، وإذا أرادوا مراجعة حقيقية لما مضى، وفق فقه الأولويات، الذى يرتب الأمور بطبيعته حسب الأهم، فالأقل أهمية، فالأقل... وهكذا.
وكان المجلس العسكرى، لا سامحه الله، قد أهمل هذا الفقه إهمالاً كاملاً، وبدأ بالانتخابات، كخطوة أولى، ثم أخّر الدستور ليجعل منه الخطوة الأخيرة، مع أن منطق الأمور السليم كان يقول إن الدستور هو الخطوة الأولى التى لا تنازعها أى خطوة أخرى، فى بلد يعيد بناء نفسه من جديد، ويراجع مسيرته مراجعة شاملة، ولكن «العسكرى»، لأمر ما، جعل الهرم مقلوباً، فبدأ بالأقل أهمية، لا الأهم، وقضينا، كما ترى، عامين ونصف العام من عمر الثورة فى تخبط بلا حدود!
اليوم.. جاءتنا الفرصة من جديد، لعلنا نكون بنى آدمين، ونبدأ من حيث يجب أن نبدأ، وكما تفعل أى دولة متطورة فى العالم، وبالتالى، فإن أمامنا أن نضع دستوراً من جديد، يكون محل توافق عام حقيقى بين أبناء البلد، ويليق به، ويضعه أصحابه فعلاً، وليس مجموعة من نواب البرلمان الأشتات المتفرقين، الذين لا علاقة لهم بعملية وضع الدستور، كما يجب أن تكون، وفى هذا الدستور الجديد سوف يكون أمامنا وقت وضعه، أن نستوعب فيه هذه الزائدة التشريعية المسماة مجلس الشورى، إذا كان لابد من استبقائه، مع الانتباه جيداً إلى أن الإخوان، قبل الثورة، كانوا أول المطالبين بإلغائه، ونسفه من الوجود، فسبحان مغير الأحوال والآراء!
الإخوان مع حكم الدستورية أشبه بطالب لم يذاكر، وفوجئ بتأجيل الامتحان، وبالتالى فإن أمامهم فرصة أخرى، وأخيرة، لينجحوا!