تعجل البعض بصورة لافتة، وقارن بين ما يجرى فى تركيا الآن من مظاهرات واحتجاجات، وبين ما جرى فى مصر أثناء، وعقب ثورة 25 يناير، وللأسف الشديد، تسرع فى أحكامه متصورا أن أردوجان هو مرسى، وأن حزب العدالة والتنمية هو جماعة الإخوان المسلمين، وأن الاحتجاج على النظام التركى سيوصل لنفس نتائج الاحتجاج على «لا نظام» فى عهد مبارك.
والمؤكد أن مشاهد المظاهرات فى قلب العاصمة التركية وفى أكثر ميادينها حيوية- أثارت خيال بعض النشطاء المصريين، خاصة بعد أن شاهدوا مصادمات عنيفة ومستشفى ميدانيا ودماء تسيل، دفعتهم إلى مقارنة ما جرى فى شارع محمد محمود المصرى وميدان تقسيم التركى، وبين موقعة الجمل وموقعة الكلاب (لأن الشرطة أطلقت كلابا بوليسية على المتظاهرين فى إسطنبول)، ووصل البعض فى حديثه إلى القول بنهاية «الفاشية الدينية» فى كل من مصر وتونس وتركيا.
أما مواقع الإخوان، فقد نشر بعضها صور متظاهرين يحملون زجاجات كحول، وكتبوا تحتها «الكفر ليس له ملة»، وهو أيضا جهل بطبيعة الصراع فى تركيا، فليس كل المتدينين مع أردوجان، وليس كل المعارضين هم من المعترضين على رفع أسعار الكحول لأسباب اقتصادية لا علاقة لها بالدين.
والحقيقة أن هذا الكلام يرى الأمور من على السطح وبمنظار ضيق جدا اختزل فيه العالم والمجتمع والنظام السياسى فى المعركة التى تدور بين رجال الشرطة وبعض النشطاء، خاصة إذا كانت الشرطة التركية مشهودا لها بالقسوة، ولديها ماضٍ غير مشرف فى مجال احترام حقوق الإنسان، وهو ما أثار خيال البعض، وأوصله إلى نتائج غير صحيحة تشبه الوضع شبه الكارثى فى مصر.
كانت الاحتجاجات قد اشتعلت فى «ميدان تقسيم»، احتجاجا على قرار الحكومة بإزالة حديقة «الأوروبية» وتضم 600 شجرة فى قلب الميدان، وقررت إقامة «مول» تجارى مكانه، وهو أمر فى حد ذاته قادر على استفزاز مئات الجمعيات النشطة فى مجال البيئة، وأيضا عدد كبير من النشطاء اليساريين، خاصة إذا كانوا يواجهون نظاما رأسماليا صاعدا لم يستقر بعد على قواعد العدالة الاجتماعية المنظمة له.
وقد اتسع نطاق الاحتجاجات، أمس، ليشمل مدنا أخرى، منها العاصمة أنقرة وأزمير، وتجمع آلاف الأشخاص وسط أنقرة- حسب وكالة رويترزـ وطالبوا الحكومة بالاستقالة، وأشارت إلى أن الشرطة أطلقت على البعض قنابل غاز، عندما حاولوا التوجه إلى مكتب رئيس الوزراء.
وفى أزمير، تظاهر أكثر من عشرة آلاف شخص، ورفعوا لافتات كتب عليها: «كل مكان هو تقسيم»، و«المقاومة فى كل مكان»، فى تكرار لشعارات ثورية شهدناها فى أكثر من مكان من«لندن» إلى «احتلوا وول ستريت» فى أمريكا، مرورا بـ«تحرير» مصر و«تقسيم» تركيا، ورغم وحدة الشعارات الثورية فإن النتائج فى كل هذه التجارب لم تكن واحدة.
وقد تحول الأمر إلى قضية سياسية، فى ظل استغلال المعارضة لها ودعوة حزب الشعب الجمهورى المعارض أنصاره للمشاركة فى التظاهرات، وهو قد يعقد المشكلة، ولكنه لن يضعها بأى حال على المسار المصرى.
إن من يتصور أن أردوجان هو مرسى، وحزبه هو جماعة الإخوان المسلمين لم يعرف شيئا عن مصر ولا تركيا، فالمؤكد أن التجربة التركية رغم أنها تجربة نجاح فإنها ليست مثالية، وبها سلبيات، لكنها لن تؤدى حتى لو استقال أردوجان إلى النتائج المصرية، لأن القضية ليست فى شكل الاحتجاجات المتشابهة، إنما فى نتائجها، وهذا ما سنناقشه فى حلقتى الغد وبعد الغد.