بالصدفة البحتة شاهدت جزءًا من حوار تليفزيونى أجرته إحدى القنوات مع الرجل القادم من المجهول ليجلس على مقعد وزير الثقافة (!!).. والنتيجة الوحيدة التى خرجت بها من كلام الأخ عبعزيز فى هذا الحوار، أننا فى حاجة ماسة إلى قانون جديد يفرض الفحص الشامل على الصحة الجسدية والعقلية لكل المسؤولين فى مواقع اتخاذ القرار قبل تعيينهم، حتى نتفادى المزيد من الكوارث التى لم تعد مصر قادرة على احتمالها!!
القانون مطلوب وبسرعة، خصوصًا بعد أن أصبح كبار المسؤولين يأتون من المجهول، وبعد أن أصبح القرار فى أخطر القضايا التى تواجهنا بدءًا من لقمة العيش وحتى الماء والكهرباء فى أيدى مَن جاؤوا لموقع المسؤولية بحكم الصدفة، أو الانتماء إلى الأهل والعشيرة (!!)، وبعد أن أصبحت حكومة مصر مجرد تجمّع لبعض الموظفين الذين ينفّذون التعليمات، ويفتقرون إلى الخبرة أو الكفاءة أو المصداقية!!
وحتى نضع الأمور فى نصابها، فإن الحرب التى تم إعلانها ضد المثقفين كانت أمرًا متوقعًا، وهى جزء من الحرب الشاملة التى يشنّها حكم الإخوان على كل مؤسسات الدولة (!!).. الحرب ضد المثقفين لا تنفصل عن الحرب التى تستهدف قضاء مصر العظيم، ولا تنفصل عن الحملة التى لم ولن تتوقف على الصحافة والإعلام، ولا تنفصل عن هدم أجهزة الأمن الداخلى، ثم محاولة السيطرة على جهاز المخابرات واختراق القوات المسلحة.
الأخ عبعزيز ليس استثناء، ربما كان فجًّا أكثر من اللازم، وربما لم يقدّر طبيعة العمل فى وزارة الثقافة، ولكن الحقيقة الأساسية أنه مجرد ترس فى ماكينة «الأخونة»، وأن ما يجرى فى الثقافة يجرى فى وزارات أخرى بضجيج أقل، وأن «عبعزيز» الثقافة لا يختلف عن «عبعزيز» الأوقاف أو التعليم أو المالية. كلهم عبعزيز، وكلهم ينفذ دوره فى الحرب الشاملة التى تستهدف هدم مؤسسات الدولة المدنية، وفرض الدولة الفاشية التى ترفع الشعارات الدينية وهى تغتال كل قيم الإسلام الحنيف الذى يضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار!!
إن ذلك يضعنا أمام عدد من الحقائق الأساسية التى ينبغى على المصريين جميعًا -وليس المثقفين فقط- أن يدركوها وهم يخوضون هذه المعركة التى كتب علينا أن نخوضها للحفاظ على مصر التى فى خاطرنا جميعًا، ومنع الكارثة من أن تكتمل بإعادة مصر إلى ظلام العصور الوسطى.
- الحقيقة الأساسية الأولى أننا أمام حكم قد حسم أمره فى ضرورة تدمير مؤسسات الدولة، لكى يبنى على أنقاضها إمارة السمع والطاعة التى يحلم بها!!
وحين يتم توسيع نطاق المعركة بهذا الشكل الذى يستهدف ثقافة مصر بأكملها، فإن الحكم يعلن بوضوح أنه لا يريد فقط السيطرة على القضاء والصحافة والجيش والشرطة، بل يسعى -قبل ذلك وبعده- للسيطرة على عقل مصر وتغيير هويّتها وتدمير ثقافتها العربية المستنيرة التى يعتبرها ثقافة كافرة لا ينبغى أن يكون لها مكان فى إمارة السمع والطاعة!!
- والحقيقة الثانية -بعيدًا عن «عبعزيز» هنا أو آخر هناك- أننا نعيش فى ظل حكم لم يعد فقط خطرًا على الديمقراطية التى يعاديها، ولا على العدالة الاجتماعية التى لا يعترف بها، ولا على الثورة التى يقوم بتصفيتها، ولا حتى على هوية الدولة وثقافتها.. بل أصبح خطرًا على وجود مصر التى عرفها العالم على مر السنين، وعلى أمنها القومى ووحدة أراضيها.
إننا أمام حكم لا ينزعج بأن تخضع سيناء لحكم عصابات الإرهاب، ما دامت هذه العصابات ضمن الأهل والعشيرة!! ونحن أمام حكم لا يجد مشكلة فى أن يفتح حديث التنازل عن جزء من أرض الوطن «حلايب وشلاتين»!! ونحن أمام حكم يقف عاجزًا أمام الخطر الداهم على مياه النيل، لأنه مشغول بالحرب على مصر، الدولة والشعب، المثقفين والقضاة، المسلمين والأقباط، وكل مَن يرفض الإرهاب باسم الدين الحنيف!!
- والحقيقة الثالثة والأهم.. أن ملامح المعركة ينبغى أن تكون واضحة أمام الجميع، فليس المطلوب أن يذهب هذا الـ«عبعزيز» أو ذاك من موقعه، أو يعود هذا المسؤول أو ذاك إلى حيث يواصل عطاءه. المطلوب أكثر من ذلك، لأن الخطر أعظم بكثير. الخطر أصبح يهدد أمن مصر وحرية شعبها، بل أصبح يهدد وجود الوطن فى ظل حكم لا يعرف معنى الوطن!!
إسقاط الفاشية هو الفريضة الوطنية التى ينبغى أن يجتمع كل المصريين لأدائها قبل فوات الأوان!!