أفرض مثلًا مثلًا على طريقة المغنى حكيم، أنك سألت إخوانيًّا: ما علاقة النزول بسنّ إحالة القضاة إلى المعاش فى الستين بإصلاح مؤسسة العدالة فى مصر؟ ستجد إجابة لا علاقة لها بالسؤال أصلًا، لا يختلف فى ذلك الدكتور محمد البلتاجى -وهو قيادة فى الجماعة- عن زيد أو عبيد، العضو المجهول بها، أو رئيس حزب الوسط صاحب مشروع التعديلات أو نوابه أو أى عضو فى جبهة «الضمير» إياها!
فالإجابة الجاهزة تقول إن مدّ سنّ القضاة إلى السبعين كان رشوة من الرئيس السابق حسنى مبارك، حتى يحافظ على عدد منهم ينفذ له ما يشاء!
ماشى..
لكن حسنى مبارك لم يعُد موجودا، والرئيس مرسى كما يزعمون لن يلعب نفس لعبة مبارك فهو رجل يصلى الوقت بوقته وحافظ القرآن.. فلماذا التخفيض إذن؟!
يردون: من باب المساواة مع كل موظفى الدولة.
وطبعا هذا رد سخيف يستخفّ بالعقول، فالقضاة فى كل دول العالم لهم «مكانة خاصة» نابعة من خطورة الدور الذى يؤدُّونه فى استقرار العدالة، والقاضى ليس موظفًا عاديًّا مثل كاتب الحسابات أو رئيس قسم الأرشيف فى وزارة الأوقاف أو… أو… أو… كما أن مشروع التعديلات المقدمة لا يمسّ «جوهر أداء» مؤسسة العدالة، وهو أداء تشوبه نواقص كثيرة، وإنما هى إجراءات إدارية عن سن المعاش والندب والإعارة والمساواة فى الحقوق والعلاج، ودمتم!
يعنى لا إصلاح ولا يحزنون، وإنما هو التخلص السريع فى سنوات قليلة من نصف عدد القضاة الحاليين، وتعيين دفعات بالزوفة من كليات الحقوق والشريعة، سيكون أغلبهم من الخريجين التابعين للجماعة والمتعاطفين معها.. باختصار «أخونة القضاء» على نهاية فترة حكم مرسى، والأخونة لا تعنى أن كل القضاة من الإخوان، فهم لا يملكون هذا القدر الكبير من الكوادر، وإن كان يتبعهم «قضاة من أجل مصر»، وهم يجهزون أنفسهم لاحتلال مناصب رفيعة فى الهيئات القضائية!
وهذا ما يحدث تقريبا فى كل مؤسسات الدولة ووزاراتها.. فالجماعة بها «جناح إدارى» نشيط، شغال من فترة طويلة فى تقييم الأداء التنفيذى، ويراجع ملفات شؤون العاملين فى أماكن كثيرة، يحددون كبار الموظفين والمديرين ورؤساء الأقسام الذين يحومون حول سن المعاش، وعدد الموظفين التابعين لهم فى كل مكان، والدرجات الوظيفية التى هم عليها، وهل منهم من يحتاج إلى ترقية تقربه من وظائف القيادة، هل يمكن ندبه إلى جهة حكومية أخرى على وظيفة أعلى.. باختصار يفتشون فى كل وظيفة تخلو بالوفاة أو الإحالة للمعاش.. ويدبرون عملية شغلها!
وتنشن الجماعة فى هذه المرحلة على قطاعات لها علاقة بانتخابات مجلس الشعب القادمة: التربية والتعليم، الكهرباء، المياه، الغاز، الإدارات المحلية، شركات البترول، القوى العاملة.
ولو أخذنا الإسكندرية نموذجا فسنعرف سر إصرار الجماعة على تعيين حسن البرنس متسللًا نائبًا للمحافظ، حين فشلت محاولة تعيينه محافظا تحت وطأة الرفض الشعبى، وهو بالفعل الرجل الأول بالمحافظة، بغضّ النظر عن تسمية المناصب.. فمثلا قطاعات الكهرباء الستة من إنتاج وتوزيع وخلافة بها ١٢ وظيفة قيادية من الإخوان، كنترول الثانوية العامة جرى تغييره باسم التجديد، ليتيحوا لمدرسى الجماعة مكافآت الكنترول.. أىّ تعيينات جديدة يلزمها فى الغالب توصية من حزب الحرية والعدالة، أنابيب البوتاجاز توزَّع من مقرات الحزب، الجناح الاقتصادى للجماعة يبيع سلعًا تموينية فى المناطق العشوائية بأسعار مخفضة بشرط صورة من بطاقة الرقم القومى.. وشاعت عبارة «روح خلِّى البرنس يكلمنى» فى كل المؤسسات الحكومية!
ولا يقلّ الأمر خطورة فى قطاع الأعمال الخاص..
أولًا: تعطيل مصالح رجال الأعمال غير المنتمين وغير المتعاطفين، بالإجراءات الروتينية و«فوت علينا بكرة».
ثانيًا: تمكين رجال الأعمال الإخوان من التوسع فى السوق، والإسكندرية كانت صاحبة أكبر دعم لحملة انتخابات الدكتور مرسى، وكان الاستثمار العقارى يحتلّ الأولوية فى أنشطتهم، وهم الآن يعملون على التوسع إلى استيراد اللحوم والدواجن، والسياحة الدينية، واستيراد ورق طباعة الصحف، ومشتقات البترول من غاز وبنزين، إلخ.
وتنهض جمعية «ابدأ» بقيادة حسن مالك بدور رأس الحربة فى تغيير بنية رجال الأعمال، وأغلبها من الجماعة، وتستقطب نسبة أقل من الآخرين، الذين يحاولون تجنيب أنفسهم «العطلة والأزمات»، والطامعين فى أن ينالوا من الحب الإخوانى جانبا، ويقال إن مالك نفسه يجهِّز ليرأس اتحاد الغرف التجارية.
باختصار، الحزب الوطنى لم يُحَلّ، وإنما غير شكله وهيئته واسمه وأطال لحيته واستبدل برئيسه مرشدًا عامًّا.. كما لو أن مصر لم تثُر أصلًا، أو أنها ثارت من أجل الإخوان، ليحلُّوا فقط محلَّ الوجوه القديمة بنفس الأساليب والألاعيب والفساد السياسى.