في أثناء صراع ملوك الطوائف على السيادة، لجأ المعتضد بن عباد حاكم إشبيلية إلى خدعة ماكرة؛ فقد فوجئ الناس به يدعو لرجل بالخلافة ويزعم أنه الوريث الحقيقي للملك، مستغلا الاختفاء الغامض لهشام المؤيد آخر خلفاء بني أمية في صغره على يد المنصور بن أبي عامر.
لم يجد ملوك الطوائف في هذا الوقت قدرة على مجابهة هذه الخدعة إلا الصمت وعدم المواجهة وترك الزمن يفعل فعلته، وقد كان؛ إذ سرعان ما انكشف الأمر واتضح أن الخليفة المزعوم ما هو إلا مؤذن رقيق الحال ضعيف العقل، وما كان من المعتضد بن عباد حين أدرك فشل خدعته إلا أن قام بسمِّه، ولم يسأل ملوك الطوائف عن الخليفة ولم يذكره الناس بعدها إلا للتندر.
ونحن نعيش الآن في عصر ملوك الطوائف الجديد فوجئنا بمن يقدمون لنا شخصًا على أنه المنتظر ليحرر القدس، وبأن عرافًا يهوديًّا تنبأ بأن فتح القدس على يديه، وبأن سقوط دولة إسرائيل سيكون بجيشه العظيم.
لا أود الدخول في تفاصيل يعرفها قارئي أكثر مني؛ فإن عدد القرارات التي تراجع عنها الخليفة المزعوم أكثر من عدد القرارات التي أصر عليها، وإن الجميع شاهدوا الفيديو الشهير "القصاص" ورأوا بأعينهم كيف كان يكرر كل كلمة يقولها معتضده.
نحن إذن في لحظة تاريخية يجتمع فيها الجد بالهزل، والوجود بالعدم، جماعة سرية تحكم دولة عريقة؛ حاكم محكوم بأوامر تصله على موتوسيكلات، قصور رئاسة بلا رئيس، صاحب قرار يضرب به المثل في التراجع عن القرار؛ لذلك فما نراه الآن جزء من منظومة العبث، إثيوبيا تحول مجرى النيل الأزرق أحد أكبر روافد النيل بعد زيارة تاريخية لبحث الموضوع، تاجر ملياردير رغم سجنه معظم عمره يتحكم في تعيين وزراء مصر، صدق المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكا
فمن كان يظن أن رئيس وزراء المخلوع يقول: علينا حماية الثورة؟ ومن كان يصدق أن ثائرًا يذهب للصندوق ليختار شخصًا؛ فيقتله رجال هذا الشخص، من كان يصدق أن شعبًا قام بثورة لكي لا تحكمه طغمة فاسدة طامعة في الدنيا؛ فتحكمه شرذمة لا يعرف لِمَ تفعل به ما تفعل؟
لسنا ملوك طوائف ولا دعاة تفرق، ولا خوف على مصر، ولا على عروبتها، ولا على صحيح إسلامها، لكن هؤلاء يعطلون مسار الثورة قليلاً، لكن لا ضير، إنا مستعدون منتظرون قابضون على هويتنا المصرية التي لا تُمحى، وسيكون لنا مع ملوك الطوائف وهوام المستنقعات يوم قريب...