لا حديث فى المدينة هذه الأيام إلا عن الفتاة التى طال بحثها عن عريس يليق بها، دون جدوى، ففى كل مرة يتقدم إليها شاب يطلب يدها، تكتشف أنه دون طموحها، وأنه ليس هو الشاب الذى كان يداعب خيالها حين كانت لاتزال صغيرة، وأنه ليس الرجل الذى كانت تتمناه عندما كانت لاتزال فى طفولتها!
والمدهش أن كل عريس تقدم إليها، من بين عرسان كثيرين، كان يحاول إقناعها بقبوله هو، دون غيره، وكانت إذا صارحته هى بعيوبه التى لا يمكن أن تقبله بها، فإنه كان يهمس إليها بأن كل عرسان المدينة على شاكلته، وأن عيوبه التى تتصورها فيه وحده، موجودة فى غيره بالدرجة نفسها وربما أكثر، وأنه من الأفضل لها أن تقبل به، وأن تحمد ربها، لأن سائر الشبان ممتلئون بالسوء عن آخرهم، وأنها إذا جلست تنتظر العريس الذى تتخيله فلن تجده، ولن تعثر عليه، ولن تصادفه مهما طال انتظارها!
ولكن الفتاة لم تكن تيأس، ولم يكن اليأس يتسرب إلى وجدانها، رغم بشاعة منظر كل واحد كان يتقدم إليها، وكانت كلما استعرضتهم أمام عينيها، ثم قارنت بين أولهم وآخرهم، تبين لها حجم سوء حظها، ولكنها رغم ذلك كله كانت ترى أنها تستحق أفضل منهم جميعاً بكثير، وأن فيها من المزايا ما يجعلها جديرة بأجمل عريس فى الدنيا، وبأكثر شبان العالم وجاهة، وكرماً، وعقلاً، وقدرة على إسعادها!
وكانت ثقتها فى نفسها، وفى قدراتها التى تعرفها عن نفسها، وتعرفها عنها المدينة كلها، بل باقى المدن، تجعلها على يقين من أنها إذا قبلت واحداً من هؤلاء الذين يتهافتون عليها، ويطرقون بابها، إنما تظلم نفسها، وتحط من شأنها، وتقلل من قيمتها!
وكانت كلما سألها واحد منهم، عمن تنتظر، إذا كانت ترفضهم هكذا الواحد بعد الآخر، ردت بأنها تراهن على المستقبل، وأنها تحلم بأن يكون مستقبلها مع عرسانها، أحسن بكثير من واقعها السيىء المحزن، ولم يكن إيمانها بالحلم فى أعماقها يتزعزع لحظة واحدة، وكانت توقن تماماً بأنها قادرة على أن تحلم، وقادرة أيضاً على تحويل حلمها إلى حقيقة، وأنها بانتظار المستقبل الذى تشعر بأنه يخبئ لها عريساً بمقاييس مثالية!
وذات صباح، طرق بابها عريس، وكان هو الذى انتظرته طويلاً، ولما سألته: من أنت؟! قال بسرعة: أنا المستقبل الذى كان حلماً فى داخلك، والذى تحقق لك بفضل إيمانك القوى بالأفضل، وبأنك جديرة من خلال الحلم بتحويل الواقع الكابوس الذى تعيشينه إلى مستقبل ممتلئ بالبهجة.
ما سبق، جرى به القلم بإيحاء من قصة بديعة، كتبها الدكتور أيمن الجندى، فى «المصرى اليوم» صباح الخميس، وكانت فتاته اسمها ليلى، وكانت ترمز إلى مصر التى لا تجد أحداً فى حاضرها يستحقها، فكلهم دون المستوى، ودون ما تريد بكثير، ولذلك تحلم، وسوف يتحقق حلمها، فهى قطعاً تستأهل ما هو أفضل بمراحل!