لم تسلم وزارة الثقافة من الإفشال، واختار إخوان الحكم وزيراً لم يعرفه مثقف أو أديب أو كاتب من قبل، على اعتبار أن من قاموا بالثورة هم- كما قال- المغمورون.
وجاء أول تصريح للرجل بمجرد وصوله إلى مقر الوزارة فى 7 مايو الماضى، أن «ما كان قبل الثورة المصرية لا يمكن أن يستمر ما بعد الثورة»، لافتًا إلى أن أول قراراته سيكون «تغيير اسم (مكتبة الأسرة) ليصبح اسمها (مكتبة الثورة المصرية)»، مشددًا على أنه «ليست لديه تصفية حسابات مع أى تيارات أو فصائل».
وفى أعقاب هذا التصريح، قررت اللجنة العليا لمكتبة الأسرة رفض اقتراح وزير الثقافة الجديد بتغيير اسم «مكتبة الأسرة» إلى «مكتبة الثورة المصرية»، وقررت بإجماع الآراء الإبقاء على اسم المشروع. وأعلن أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب السابق، رفضه اقتراح الوزير بتغيير اسم المشروع، بعدها قرر الوزير إنهاء انتدابه كرئيس للهيئة دون إخطاره بشكل مسبق، بما يعنى أن الوزير «الثورى» تحول فى سلوكه السلطوى إلى أسوأ مما كان يجرى فى عهد مبارك.
أما قصته مع د. إيناس عبدالدايم، رئيس دار الأوبرا، فهى نموذج آخر للتعامل بالمراوغة والكذب وتصفية الحسابات، فقد نفى الوزير فى 13 مايو ما تردد بشأن إنهاء انتداب الدكتورة إيناس عبدالدايم، رئيس دار الأوبرا المصرية، واعتبره غير صحيح، ثم عاد بعدها بعدة أيام وقرر إنهاء انتدابها مثلما فعل مع د. صلاح المليجى، رئيس قطاع الفنون التشكيلية.
ومثلما تفعل النظم الشمولية فى شراء الولاءات، قرر الوزير صرف مكافأة للعاملين بالديوان العام للوزارة، تظاهر على إثرها عدد منهم تأييدًا له، وهو سلوك ليس فقط النظم السلطوية إنما الفاشلة أيضا، لأن خلق الولاء لا يتم بإجراءات اجتماعية أو تغييرات فى بنية وأداء الوزارة تؤدى إلى زيادة دخول العاملين نتيجة تغيير فى المنظومة القديمة وليس بتقديم رشاوى مالية فجة لا تحل مشكلة واحدة من مشكلات الواقع.
إن ما يجرى فى وزارة الثقافة يدل على حجم الكارثة التى يدير بها الإخوان البلاد، فحسبة الجماعة تقول سنختار وزيراً للثقافة ليست له علاقة بالثقافة، وتكون مهمته إعادة ترتيب أوراق القوة والنفوذ داخل الوزارة لكى يقول إن هناك سلطة جديدة تضع أسساً جديدة لإدارة البلاد، ولكن هذه الحسبة تتطلب وجود كوادر إخوانية أخرى مدربة أفضل من الكوادر القديمة التى يجرى استبعادها، وهذا غير موجود، كما أنه يعنى أيضاً أن كل هذه العناصر القديمة المستبعدة سيئة وهذا أيضا غير صحيح.
لقد تعودت مصر أن تكون وزارة الثقافة رغم عيوبها فى يد من هم أكثر يسارية وليبرالية وسط النخبة المصرية، تماما مثلما كانت هناك وزارات أخرى فى يد من هم أكثر محافظة والقريبين من التيار الدينى، وأخرى فى يد تكنوقراط أكفاء، ولم يحدث أن وجدنا هجمة ظلامية وجاهلة بهذا الشكل تستخدم تعبيرات أسوأ النظم ديكتاتورية فى الحديث عن التطهير والقرارات الثورية، وكأن وزارة الثقافة كانت مكان اعتقال النشطاء السياسيين فى عهد مبارك وليس أمن الدولة، أو محل إقامة رجال الأعمال الفاسدين، وهؤلاء طالما يدفعون أموالاً فى التصالح مع النظام الجديد فمرحباً بهم، أما الثقافة فهى تقدم فكراً وإبداعاً وبالتالى المطلوب التنكيل بها.