رغم التقدم فى علاج الضعف الجنسى فإن جرائم قتل الأزواج لزوجاتهم بسبب المعايرة الجنسية فى تصاعد
لماذا لم تهرب الزوجة بالخلع من الزوج المغضوب عليه بدلا من قتله وتتزوج من عشيقها كما تشاء؟!
قبل سنوت زرت سجن النساء بالقناطر الخيرية، وقابلت نزيلة فى منتصف الثلاثينيات تقريبا، قمحية، نصف جميلة، فالسجينات دون ماكياج يضفى قدرا من لون التفاح على الخدود ويرفع بعض الهنات فى البشرة، لكن ملامحها شديدة الطيبة، وتحتضن رضيعًا بين يديها..
تعجبت من الطيبة الواضحة المحبوسة أشغال شاقة خلف جدران السجن الشهير..
نادت عليها الإخصائية الاجتماعية للسجن : نجية.. نجية.. تعالى..
ثم قالت لى: نجية قتلت زوجها مع سبق الإصرار والترصد..
سألت السجينة نجية، وكانت قد أمضت فى السجن ما يقرب من عام وبضعة أشهر وضعت خلالها رضيعها من الزوج المقتول: هل تشعرين بالندم الآن؟!
فجأة انقلبت ملامح الطيبة إلى شرر يتطاير من كائن فى غاية الشر: لو عاد سأقتله ألف مرة!
رجعت إلى ملف نجية وحيثيات الحكم ضدها، وجدتها اعترفت بفعلتها من اللحظة الأولى، وقالت فى التحقيقات: تخلصت من قرفه، ومن الذل اللى كان معيشنى فيه والبخل والضرب والإهانة عمال على بطال..
ونجية قتلت زوجها بسم الفئران فى وجبة أكل بالشطة ثم مزقته بالسكين، وظلت تصرخ وتلطم حتى جاء الجيران والشرطة.
هذه جريمة تبدو فيها الدوافع مفهومة، قطعًا لا نقبلها ولا نرضى عنها، لكننا نفهم قدر الحقد والغل والرغبة فى الانتقام التى سيطرت على زوجة جاهلة، ست بيت لا تعمل، فلم تجد مخرجًا لمأزقها النفسى والإنسانى الضاغط إلا بالدم!
لكن ثمة جرائم قتل تسقط فيها زوجات أو يرتكبها أزواج تبدو دوافعها ضعيفة أو غبية، وكان يمكن للجانية أو الجانى أن يجد مخرجًا غير القتل، وهو من أشد الكبائر دينيًّا ومن أبشع الجرائم إنسانيًّا!
وجريمة العريش التى هزت مجتمعًا بسيطًا، يندر فيه مثل هذا النوع من قتل الأزواج، جريمة فى منتهى الشذوذ..
صحيح أن العريش هى عاصمة شمال سيناء، وشمال سيناء تسكنه أفاعى الإرهاب المتدثر بالدين، لكن أهل العريش عمومًا بعيدون تمامًا عن هذه الأوكار، لكن يبدو أن سمات الأفاعى تنتقل أحيانًا إلى البشر بالجوار..
والأفعى هنا زوجة عاشت فى كنف زوجها ١٢ عامًا، وأنجبت منه ثلاثة أولاد، وقتلته مع شريكها بطريقة أقرب إلى أفلام السينما أبيض وأسود، ولم يكن هناك ضرورة للتخلص منه بالقتل على الإطلاق.
الزوج لم يكن رجلها الأول، إنما هو الثانى، بعد تجربة زواج أنجبت فيها بنتا، وفى الغالب تكون تجربة الزواج الثانى بعد الطلاق، أقرب إلى النجاح، فقد اكتسبت المرأة خبرة أكثر بالحياة، وأصبح لديها قدرة أكبر على التعرف على شخصية الرجل الثانى بوعى ودون أوهام أو انفعالات شديدة، ويتدخل عقلها بقوة فى حسم القرار بقبول الزواج ولا يدع للقلب فرصًا كثيرة فى فرض وصاياه، بسبب الخوف من الفشل الثانى الأكثر مرارة.
الشريك هنا ليس عاشقًا تقليديًّا كما فى الدراما أو الواقع، الثلاثى المستحيل التعايش إلى الأبد، الزوج والزوجة والعشيق، ودوما يختفى الطرف الثالث حتى لو كان هو الطرف المشروع أو الشرعى.
الغريب أن الشريك هو الزوج السابق، طليق السيدة التى تخلصت منه بالمأذون أو تخلص هو منها بفسخ التعاقد الشرعى والتسريح بإحسان أو بغضب.
فما الجديد الذى جعل الطليق الذى انفصلت عنه ١٢ عامًا دافعا لجريمتها؟!
ومن المؤكد أن بعد الطلاق حاول هذ الرجل وربما هى التى حاولت عن طريق الوسطاء أن يعودا إلى بعضهما، لكن المحاولات باءت بالفشل أو انكسرت على صخرة الرغبة العارمة فى الانفصال النهائى.. فكيف يعملان بعد ١٢ عامًا طويلة على استرجاع ما رفضاه رفضًا قاطعًا، وبالدم والقتل؟!
ما أغرب النفس البشرية، إنها تشبه متاهة كلما حللنا منها لغزا أو أجدنا فيها بابًا مفتوحًا، تتجدد الألغاز وتتراكم الأبواب المغلقة.
والجريمة نفسها تبين مدى الغشم والغباء، فالمجرمان وضعا الدليل الكاشف مع جثة الضحية، صحيح أن ثمة مقولة شهيرة أن الجريمة الكاملة ضرب من الخيال، فالمجرم دائمًا ما يترك خلفه ما يقود العدالة إليه، لكن الواقع يكذب هذه المقولة، فما أكثر الجرائم التى قيدت ضد مجهول!
تفاصيل تلك الجريمة العريشية تشى بأن التفكير فيها لم يكن عميقًا، بل وليد لحظة شيطانية أصابت الزوجة وطليقها السابق، فارتكباها بنفس السيناريو المعد سلفًا، مخدر فى طعام الزوج.. يتسلل الشريك إلى البيت.. يذبح الضحية وهو على الفراش دون مقاومة، ثم يتخلصان من الجثة على عجل، فيسهل العثور عليها قبل أن تتعفن ملامحها، ويستدل على صاحبها، ثم تبدأ الشرطة على الفور الربط بين الضحية «والجناة المحتملين»، والأدلة المعثور عليها مع الجثة أو فى مسرح الجريمة.. وينتهى الأمر بالوصول إلى الفاعل. سيناريو مكرر ومدروس وشهير.
ولما ارتكبت الزوجة وطليقها السابق جريمة قتل الزوج حسب هذا السيناريو، سهلا على الشرطة عملها، مع أنهما أضافا مشهدا لم يكن موجودا من قبل، فقد لفا الجثة عارية فى سجادة منزلية وتركا معها رسالة تقول هذا عقاب الزانى، ونقلاها فى سيارة إلى الخلاء، وعثرت دورية الشرطة عليه بعد أقل من ٢٠ ساعة.
وكانت الزوجة قبلها بيوم قد أبلغت الشرطة كالعادة عن غياب زوجها، فربط ضابط المباحث بين الغياب والجثة، ولم تفلح خدعة رسالة «عقاب الزانى»، إذ تعرف أخو القتيل على السجادة التى كان ملفوفًا فيها.
فقبض الضابط على الزوجة ودار بينهما هذا الحوار..
الضابط: كم زوجًا من الأحذية لدى زوجك وما ألوانها؟
الزوجة: زوجان بنى وأسود.
الضابط: وماذا كان يرتدى زوجك يوم وقوع الجريمة؟
الزوجة: كان يرتدى حذاءً بنيًّا وبنطلون بنيًّا وقميصًا أبيض.
فأمر الضابط بتفتيش المنزل ومحيطه فوجد فيه أحذية الزوج وملابسه، فسألها سؤالًا مباشرًا : قتلتيه ليه؟!
انهارت على الفور، واعترفت أن طليقها شاركها فى الجريمة وروت التفاصيل.
وكانت مبرراتها عجيبة للغاية: طلبت منه عدة مرات أن أزور ابنتى فى منزل طليقى بالقليوبية، فرفض وأصر أن تأتى هى لزيارتى فى العريش، مما أدى إلى حدوث خلافات دائمة بيننا.. وقررنا أنا وطليقى السابق التخلص من زوجى وقتله وعودتى إلى عصمته بعد انتهاء عدتى.
هل هذا دافع مقنع للقتل؟!
قطعا.. لا
فهذا السيدة سبق وأن طُلقت، فلماذا لم تطلب الطلاق من الزوج الثانى بدلا من قتله؟! وإذا رفض كان يمكنها أن تخلعه دون أن تسقط عنها حضانة أطفالها الثلاثة ونفقاتهم منه؟! ثم تتزوج من الطليق السابق زواجًا عرفيًّا عائليًّا مبررًا، حتى لا تسقط عنها حضانة الأولاد..
باختصار كان هناك أكثر من سبيل غير القتل الصعب، لكنها اختارت الدم لأسباب ساكنة فى النفس البشرية،
وهو ما حدث بالنص فى جريمة بالهرم، وكان الشريك فيها هو العشيق التقليدى، الفارق الوحيد إن الجثة كانت ملفوفة فى بطانية لا سجادة، ويظل السؤال ملحًا: لماذا لم تهرب الزوجة بالخلع من الزوج المغضوب عليه بدلا من قتله وتتزوج من عشيقها كما تشاء؟!
هل لديكم إجابة؟!
ربما لا نجد كما هو الحال فى هذه الجريمة التى قتل الرجل زوجته دون داع، وكانت أمامه حلول أفضل وأريح من السجن، ويمكن وصفها بأنها جريمة غبية جدا، قد يكون لها سبب، لكن يسهل التخلص منه بأرخص الأسعار.. والحكاية أن الزوجة حنان فى منتصف الأربعينيات تقريبا أخذت تعابير زوجها حمدى بضعفه الجنسى، وأنه خرج من الخدمة مبكرا، وأحيل على المعاش «الجنسى» وهو لا يكبرها إلا بعام واحد فقط، فأخذته الحمية ونقحت عليه كرامته فأمسك فى زمارة رقبتها وراح يضغط ويضغط حتى أخرج روحها من جسدها، ثم تركها وغادر الشقة حتى تعفنت الجثة وفاتح رائحتها على الجيران، فاستنجدوا بالشرطة.. وكان سهلا أن عثرت عليه الشرطة فى ساعات.
السؤال هنا: هل هذه جريمة حتمية إذا جاز هذا التعبير؟
قطعا لا.
هذه الجريمة هى خليط من ثقافة شعبية وتقاليد قديمة، الثقافة العربية جميعها من الخليج إلى المحيط «تضع» الجنس فى مرتبة خاصة جدًا، ويكاد يكون العقل الشرقى مكونا من تلافيف جنسية، فالجنس هاجس دائم يسهل رصده فى التعامل مع المرأة منذ ولادتها حتى مماتها، فالمرأة فى الغالب فى العقل الشرقى ليست إنسانًا، إنما أنثى، والأنثى محط الرغبة، وماعون الحفاظ على الذرية، وهى أصل الغواية.
وبالطبع يسهل أن نفهم مدى الضغوط الرهيبة على الزوج حمدى، فالمسألة لا تقتصر على المعايرة فقط، إنما قطعًا كان عقله مشغولًا بالكيفية التى تتصرف بها زوجته فى إشباع احتياجاتها وهو عاجز عن ذلك.. وخيانة المرأة رجلها فى الثقافة الشرقية أخف منها الموت والضرب والإعدام وأى كارثة، فلا عار قدر عار الخيانة الذى سيلحق رجولته إلى قبره.
ولا يفكر الرجل فى حلول بسيطة ومتاحة للغاية.. وكان أمام حمدى حلان..
الأول: وهو العلاج.. ولم يعد علاج العجز الجنسى صعبًا على الإطلاق، طالما لا يرتبط بعاهة عضوية، فالطب فى هذه ناحية صنع تقدما مذهلًا يمكن وصفه بالمعجزة، خصوصًا أن أغلب المرضى هنا ترجع أعراض حالاتهم إلى أسباب نفسية أو جسدية تتعلق بالتوتر والإرهاق والاكتئاب وصعوبات الحياة اليومية، وكل هذه الأسباب وجد لها الطب حلولًا جيدة أو مقبولة.. وبعض هذه الحلول رخيصة الأثمان، ولا تتكلف كثيرا كما كان فى الماضى..
الثانى: أن ينفصل عن زوجته حنان بالطلاق، ويا دار ما دخلك شر.. إذا كانت حالته مستعصية ولا علاج لها، لكن أتصور أن الثقافة السائدة كانت عائقًا أمامه، ربما خشى أن تفضح مطلقته أسباب الطلاق على الملأ، ويتحول إلى مسخة فى مجتمع يكاد عقله يطق من كثرة انشغاله بالجنس.. ويبدو أن حمدى فضل طريق الموت لها والسجن ٢٥ عامًا لنفسه.. وهو اختيار بكل المقاييس شديد الغباء!