شعرت بالمهانة الوطنية من الأخبار القائلة بأن الحكومة المصرية تقدمت بطلب رسمى إلى إسرائيل للسماح لها بإدخال قوات عسكرية إلى سيناء لتعقب الجماعات المسلحة المتواجدة بها، وذلك بعد اختطاف الجنود المصريين السبعة الذين أُفرج عنهم فى الأسبوع الماضى.
فهل يعقل أن تطلب دولة ذات سيادة الإذن من دولة أخرى قبل أن تمارس سيادتها على أرضها؟ إن مفهوم السيادة هو أن يكون من حق الدولة أن تحرك قواتها على أرضها وفق ما تقتضيه دواعى أمنها القومى، لكن الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل المسماة معاهدة «السلام» - التى كان الإخوان المسلمون أكثر من عارضها وطالب بإلغائها، لكنهم بمجرد توليهم الحكم التزموا أمام الولايات المتحدة وإسرائيل بألا يحيدوا عنها - تنص على عدم تواجد أى قوات مصرية فى سيناء بخلاف ما حددته الاتفاقية إلا بموافقة إسرائيل. وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلى موشى يعالون بأنه قام بالمصادقة رسمياً على الطلب الذى تقدمت به الحكومة المصرية فى هذا الشأن، بسبب أزمة اختطاف الجنود.
وشعرت بمهانة أكثر حين علمت أن موافقة إسرائيل على طلب الحكومة المصرية كانت محدد المدة وليست مفتوحة، فقد وافقت إسرائيل على ألا يتعدى ذلك الوضع الاستثنائى يوم 5 يونيو الحالى «!!» حسبما صرح وزير الدفاع الإسرائيلى أثناء زيارته منذ أيام مدينة الخضيرة بأرض فلسطين.
ولقد كتبت أكثر من مرة عن أن الأوضاع القائمة بسيناء تسمح باللجوء إلى ما تنص عليه المعاهدة فى ملاحقها الأمنية بإمكانية إعادة النظر فى بنود الاتفاقية إذا اقتضت الضرورة، وقد حدث منذ قيام الثورة وسقوط الحكم السابق أن نشأت ظروف متوالية تسمح لمصر بطلب إعادة النظر فى القيود التى تفرضها المعاهدة، بل إن مثل هذه الظروف نشأت أيضاً قبل الثورة، خاصة خلال أزمة الأنفاق التى طالبت إسرائيل مصر بالسيطرة عليها قبل قيام الثورة، وكان بإمكان النظام السابق استغلال ذلك الظرف لتعديل المادة الثانية من المعاهدة التى تتعلق بـ«تحديد الخطوط النهائية والمناطق محدودة التسليح فى سيناء»، لكن النظام السابق كان يكتفى بإغلاق معبر رفح كلما تأزمت الأمور دون أن يقرب المعاهدة، ثم تكررت تلك الظروف بعد الثورة وتوالت الأزمات فى سيناء، من تفجير خط الغاز، إلى مذبحة الجنود الـ16 فى رمضان الماضى، لكن كما فعل النظام السابق فعل النظام الحالى، وكأن بنود المعاهدة نصوص مقدسة لا يجب الاقتراب منها، ولا يمكن لمصر ممارسة سيادتها على أرضها إلا بعد التقدم بطلب لإسرائيل، يقوم وزير الدفاع الإسرائيلى بالتصديق عليه.. أو عدم التصديق عليه.