قالها الدكتور جلال أمين فى حواره مع جريدة «المصرى اليوم»: «نعيش نفس أجواء 67»، د.أمين كان فى هذا السياق يقارن ما بين الوضع الاقتصادى الحالى وما مرت به مصر فى 67، مشيرًا إلى عناصر انخفاض النمو والاستثمار وزيادة البطالة.
«67» المحنة التى أُرِيدَ بها قصم ظهر مصر بكل عنفوانها لم تفلح فى اقتلاع إرادة الحياة ولا سلبت مصر إرادتها السياسية.. «67» بكل مرارتها لم تهدِّد الكيان أو الوجود.. لكن ما تتعرض له مصر الآن ربما أخطر وأعمق من «67»، هى لحظة لعلها لم تتكرر كثيرًا على طول تاريخ مصر العميق، لحظة لا نبالغ لو قلنا إن الوجود المصرى نفسه فيها على المحكّ.. كيف لا يكون الوجود المصرى على المحكّ والخطان الرئيسيان للأمن القومى المصرى هما فى نفس اللحظة على المحك.. حدود التراب الوطنى المهدد فى سيناء، ونهر النيل مَعين الحياة وشريانها؟!
فى 67 هُزمَت مصر عسكريًّا، لكنها كانت دولة.. كان لها قيادة.. وشعب يثق بالقيادة.. وقيادة تدرك قيمة الشعب والأرض.. لا أريد أن أفيض فى التمايزات التى تجعل مما تعيشه وتخوضه مصر فى اللحظة الحالية واقعًا أكثر شراسة وتهديدًا للوجود المصرى.
ما الظروف الداخلية التى من خلالها تواجه مصر «مخطَّط التركيع» عبر المياه؟ وهل ما نراه من آليات وردود فعل الحكم الحالى يرتفع إلى مستوى هذا الحدث الوجودى أو الخطر الوجودى؟
سد النهضة الإثيوبى وتحويل مجر النيل الأزرق أمر ليس وليد اللحظة ولا هو واقع نشأ فى ليلة وضحاها، كيف إذن لم تُفِق الأجهزة المسؤولة إلا الآن؟ ولماذا لم يتحول مشروع السد إلى واقع إلا الآن؟
السدود لا تُبنَى فى غمضة عين، ولا تقوم لها قائمة إلا فى إطار دعم مالى وسياسى وتقنى، والفقه الذى يستند إليه سد النهضة الإثيوبى -لو جاز التعبير- هو فقه الأمر الواقع، هل يمكن أن تتردَّد إثيوبيا أو غيرها، عندما تجد صاحب منطق معالجة أخطار الأمن القومى «بالدعاء والحب» هو من تواجهه؟
فى نظر الحكم الإخوانى الحالى، ما خطوط الأمن القومى المصرى الحمراء، أى التى ينبغى عدم التهاون فيها؟ هذا سؤال فعلاً إذا كنا نرى ما يجرى ويتردد فى سيناء وما يجرى الآن فى مصير مصر المائى؟
الناس تتناقل على «يوتيوب» تصريحًا للمشير الراحل أبو غزالة، يحوى مبادئ نظرية الأمن القومى المصرى، وعلى رأسها ما يتعلق بأمن مصر المائى وحوض نهر النيل ومفهوم توظيف «القوة الشاملة» للدولة لمواجهة أى مشروعات يكون من تداعياتها خفض نصيب مصر من مياه النيل، لأن ذلك أمن الوجود المصرى.. يعنى حياة أو موت.. هناك عقيدة واضحة، لا لبس فيها، والمفروض أنها ثابتة، حول نظرية عناصر الأمن القومى المصرى.. أى المصالح الاستراتيجية لمصر، وكل ما يمكن اعتباره خطًّا أحمر ينبغى عدم تجاوزه، ولا أعتقد أن المصريين قد شعروا يوما بتهديدات لوجودهم وأمنهم القومى كما هى اللحظة المعيشة الآن التى تتجاوز فى أخطارها حتى فكرة الاحتلال، فكيف بالإدارة الحالية التى تستعين بالدعاء والحب وتنتظر قرارات غير ملزمة من لجنة فنية؟ كيف لمصر أن تواجه هذه الأخطار الوجودية؟
كيف لمصر أن تنجو إذا كانت إثيوبيا تبنى السد والإخوان مشغولون بمنع البالية، والإدارة عينها لا تنام ولا تغفل وعارفة فى الإعلام مين بيقول إيه وعاوز إيه؟
أجنحة فى الإدارة الحالية تطمئن المصريين بأن مصر سوف تتبنى توجُّهًا جديدًا فى العلاقات مع إثيوبيا.. هل ستحول هذه التوجهات دون بناء السد الإثيوبى؟ ما يستوقف النظر فعلا هو رد فعل الحكم الحالى لمصر إزاء ما جرى والذى علق كل شىء فى انتظار تقدير لجنة خبراء.. مع أن الإشارات القادمة بالسيناريو الذى تمت به الأمور فى بناء السد وتحويل مجرى النيل الأزرق إشارات واضحة لا لبس فيها.
وجود مصر على المحكّ، وليس فى الأمر مبالغة، هلا تركتم البالية والإعلام الفاسد وانتبهتم لمصائرنا المعلقة؟ مصر الدولة بحاجة إلى إدارة سياسية فعلية.. إدارة تبنى الدولة ذات القوة الشاملة بالمفهوم الذى عبَّر عنه المشير أبو غزالة رحمه الله، وهو ما يستلزم إدارة فاعلة تعى -أول ما تعى- أن الأمن القومى لا يمكن تأمينه بأحضان الحب والدعاء، وأن مصالح الدول لها رؤًى وسياسات تستلزم وجود الكفاءات.. والعقليات القادرة على المجابهة.
مصر لن تتحمل طويلاً هذه الصياغات الفضفاضة فى قضايا أمنها القومى.. وجودنا ومصر على المحك.