لم أصدق عينى وأنا أقرأ هذا الخبر الذى وقعه عدد من أعضاء جمعية كتّاب الدراما العربية المرموقين برئاسة محفوظ عبد الرحمن، وهم يستجيرون بالجهات المسؤولة ضد أتركة الدراما، مؤكدين أن توقف الإنتاج الحكومى ولجوء الدولة إلى استيراد الأعمال التركية المدبلجة يؤدى إلى فقدان دور مصر الريادى، وتهيب بكل القوى المدنية والفكرية بمقاومة ما سمته غزوا.
هكذا تصغر قضايانا، هل الإنتاج الحكومى هو الذى يقود مسيرة الإنتاج أم أن هناك منظومة متكاملة، وأن القطاع الخاص هو الذى يلعب حاليا الدور الأكبر؟ راجعوا قيمة ما يضخ من أموال فى الإنتاج لتكتشفوا أن القطاع الخاص هو الذى صار يحدد البوصلة، وأن الأمر ليس هو أتركة بقدر ما أن هناك رغبة لدى الجمهور العربى عبر كل الشاشات لمشاهدة الدراما التركية، وأن أعمالا درامية مصرية عديدة صارت خارج الزمن يعزف عنها الجمهور، لا تستطيع أن تفرض على الناس ذوقا محددا سواء من خلال البث من شاشة خاصة أو شاشة دولة، ثم راجعوا الإنتاج الحكومى لتكتشفوا أن أغلب صُناع الدراما أساؤوا كثيرا إلى حُرمة المال العام، مثلا مخرج يستغل هذه الأموال ويسند دور البطولة إلى زوجته فى وقت لم تعد مطلوبة تسويقيا فى القطاع الخاص، ولكن مع مال الدولة كل شىء ممكن، وهناك مخرج آخر يسند دور بيرم التونسى الذى تنتهى الأحداث وهو فى الثانية والثلاثين من عمره إلى ممثل، لأنه صديقه رغم أن عمر هذا الممثل فى الحقيقة ضعف عمر الشخصية فى الواقع، كنت أتمنى أن يتصدى كتابنا إلى استغلال المال العام فى إنتاج أعمال درامية تفتقر إلى المنطق، التى صارت -خصوصا بعد الثورة- «سبوبة»، كل من يستطيع فك شفرة التعامل مع الحكومة يفك ويحصل على حفنة من مال الدولة.
العمل الفنى يقفز فوق حدود الجغرافيا، والفنان سواء أكان كاتبا أو مخرجا أو مؤلفا لم يعد يستعان به سوى لكونه يضيف شيئا، فلا أحد يتفحص جواز السفر قبل التعاقد. الغزو مع تحفظى على التعبير لن يتصدى له تليفزيون الدولة بمصداقيته المتآكلة وإمكانياته المتواضعة وبتلك المنظومة التى تحركه، حيث نرى أن الفساد مستشرٍ وأعماله فى العادة تفتقر إلى رؤية تسويقية لتصبح تبديدا لمال الدولة.
علينا أن نعرف أولا من الذى منح الدراما التركية كل هذا الحضور فى العالم العربى؟ إنها رغبة الجمهور ولو لم يجد المشاهد فيها ما يجذبه لتوجه على الفور إلى المسلسل المصرى. ويبقى وجه آخر للصورة وأعنى به الجانب الاقتصادى، كيف لم يدرك صُناع الدراما أن عليهم أن يتحلوا بقدر من المرونة فى التعامل مع القانون الجديد، هذه الأعمال المدبلجة تدفع فيها الفضائية ما لا يتجاوز 10% من ثمن العمل الدرامى المصرى، وعلى المقابل تحقق كثافة مشاهدة عالية وصار هناك معلنون يفضلونها، ما نراه هو أن الأمر صار متعلقا فى عمقه بما هو أبعد من مجرد كاتب ينتظر أن تمنحه الدولة فرصة لكى يكتب عملا دراميا، المنظومة الإنتاجية تغيرت وعلى صناع الدراما الإلمام بقواعد اللعبة الجديدة. القنوات الفضائية وصلت إلى رقم 1000 ناطقة بالعربية ولديها مساحة تملأ جزءا كبيرا منها بالدراما، وهى مادة محببة للمشاهدين وتلك القنوات تشترى الآن الدراما التركية لتوفر عنصرى الرخص الاقتصادى والجودة الفنية، والإنتاج الدرامى يحتاج إلى إعادة صياغة فنية ومالية، ولهذا مثلا وجدنا عددا من المخرجين السينمائيين المصريين يدخلون إلى هذا المجال ويضيفون شيئا مختلفا للشاشة، أسماء مثل محمد على ومحمد يس وعثمان أبو لبن وأحمد جلال وسامح عبد العزيز وأحمد شفيق وغيرهم منحوا نبضا جديدا إلى روح الشاشة، وعلى الجانب الآخر بدأ جيل يختفى من أساطين المخرجين وهو ما ينطبق أيضا على المؤلفين. الأجور الفلكية التى يتقاضاها النجوم تشكل أيضا مأزقا إنتاجيا، ولهذا ستجد أن كل النجوم الذين يشاركون فى دراما رمضان 2013 مثل عادل إمام ويسرا ونور وغادة عبد الرازق وغيرهم قد خفضوا أجورهم بأكثر من 30%. الداء ليس هو الدراما التركية والدواء لن يصبح المنع فلقد انتهى سلاح المصادرة، هل نستطيع أن نمنع استيراد الفانوس الصينى الإلكترونى الذى يغنى «وحوى يا وحوى» ونحن لم نغادر بعد الفانوس أبو شمعة، انتهى زمن دراما الشمعة.