من الواضح أن الزعيم الكورى الشمالى يمارس الألعاب السياسية بحماقة محسوبة، ويبدو أنه نجح فى إقناع الأمريكان بأنه مجنون.. وهذا ضرورى لإخافة العدو.
لكن ما يدفع للتأمل فى حالة كوريا الشمالية أنها إحدى القلاع المعدودة فى العالم التى مازالت ترفض الرضوخ للهيمنة الأمريكية بعد أن استسلم كل الأعداء الآخرين، فالولايات المتحدة تتميز بأن لها أسلوباً فى معاقبة الخصوم لم تقف فى وجهه حتى الإمبراطورية السوفيتية، ويتميز هذا الأسلوب بالغ النجاعة فى أنها تحيل حياة مواطنى الدول الممانعة إلى جحيم، فيجدون أنفسهم محرومين من الطعام الطيب والمسكن اللائق والسيارات الحديثة ووسائل الترفيه وكل مباهج الحياة الأخرى التى يسيل لها لعاب الناس وتطير عقولهم.. ومن الطبيعى أن كوريا الشمالية قد شهدت ما حدث للآخرين، وكان يفترض أن تتعظ لولا أنها عرفت أن الأمريكان لا يحترمون الخصم الضعيف وقد يسحقونه بعد استسلامه!.. وثمة شىء آخر غير محسوس، لكنه بالغ الأثر فى فهم موقف كوريا الشمالية وتحديها لأكبر قوة على وجه الأرض.. هذا الشىء اسمه الكرامة. صحيح أن العقلاء والواقعيين سيقولون إن الذى يترك شعبه للجوع والفقر لا يحق له أن يتحدث عن الكرامة.. ذلك أن إنتاج كوريا الشمالية من الطعام لا يكفيها، وقد تكفلت العقوبات الاقتصادية بخنق الاقتصاد الضعيف أصلاً.. إلا أننى فى بعض الأحيان أطلق للخيال العنان، وأرى الزعيم الكورى الشاب وقد فرض إرادته على العالم بسلاحه النووى وجعل الأمريكان يقيمون جسراً جوياً وبحرياً يحمل الطعام والحلوى إلى شعب كوريا من المطابخ والمطاعم الأمريكية إلى بيوت الفلاحين الكوريين. لقد سبق لى أن تنبأت بأن شيئاً من هذا قد يحدث عندما أقدمت الهند على تفجيرها النووى عام 98 ومن بعدها باكستان فى نفس الأسبوع.. وقتها قلت إن السلاح النووى الرهيب إذا لم يؤدِ إلى إسعاد الشعوب فما جدواه؟ ما الفكرة من أن ينتمى شعبك إلى دولة نووية قادرة على محو أجزاء كبيرة من الكرة الأرضية من الوجود، بينما رعاياك يعملون فى وظائف الخدم فى بلاد لم تحقق أى نهضة علمية من أى نوع؟ وتصورت أن الزعيم الباكستانى قد يوجه صواريخه النووية نحو أوروبا ثم يجلس بجوار التليفون منتظراً رد قادة الدول الأوروبية الذين عقدوا اجتماعاً اتفقوا فيه على أن يقدموا للزعيم المنيو الخاص بالطعام والشراب الذى سيرسلونه كل يوم للشعب الباكستانى.. الحقيقة أن الزعيم الباكستانى خيب ظنى وكذلك نظيره الهندى، لهذا فإننى أضع أملاً كبيراً على الزعيم الكورى أن يضغط على أمريكا ويرغمها على إطعام شعبه.
قد ينظر البعض لهذه الأفكار على أنها جنونية، لكن من يرى هذا عليه أن يجيبنى عن جدوى السلاح النووى للفقراء..