فى كتابه «شهادتى» الصادر أول هذا العام، يقول الوزير أحمد أبوالغيط إنه ظل يتساءل، طوال سبع سنوات قضاها على رأس الخارجية المصرية، عن السبب الذى دعانا إلى قبول المشاركة فى مبادرة طرحها البنك الدولى عام 1999، لجمع دول حوض النيل فى إطار مؤسسى واحد، يتجاوز الأوضاع التى سادت سابقاً، بين الدول نفسها، طوال النصف الثانى من القرن العشرين!.
وهو يعترف بأنه كان أحياناً يتلقى إجابة عن سؤاله الحائر، وكانت الإجابة من نوعية أن قبولنا الدخول فى تلك المبادرة المريبة كان وراءه رغبة فى تعزيز التعاون بين دول الحوض، بما يحقق مفهوم التنمية الشاملة لموارد النهر وإمكاناته لصالح كل أطرافه!.
ولكن «أبوالغيط» يعود ليرد على هذه النقطة، فيقول - عن حق- بأن تحقيق هذه الأهداف لدول النيل وأطرافه جميعاً كان من الممكن أن يتوافر للقاهرة، من خلال تعاون ثنائى نشط، دون الحاجة أبداً إلى الدخول فى تلك المبادرة التى كان من الواضح أن وراءها أهدافاً أخرى غير معلنة!.
تذكرتُ كلام وزير خارجيتنا الأسبق، حين قرأت حواراً مع الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق، فى «المصرى اليوم» صباح أمس، وفيه يقلل الرجل من قيمة أى تأثير سلبى قد يقع علينا جرّاء قيام إثيوبيا، أمس الأول، بالإعلان عن تحويل مجرى النيل الأزرق على أرضها تمهيداً لإنشاء سد النهضة فوق مجراه!.
من بين كلام كثير جداً قيل فى صحف الأمس عن تلك الخطوة وعن تداعياتها، توقفت بشكل خاص أمام كلمات الوزير أبوزيد، لأنه يتكلم فى موضوعه، ولأنه صاحب علاقة قديمة وطويلة مع النيل، ومع المسؤولين فى دول الحوض، ثم إنه كان وزيراً وقت قبول المشاركة فى المبادرة إياها، ولعله، بهذه المناسبة، يكشف لنا عن الأسباب التى دعتنا إلى قبول الدخول فيها، وما إذا كان يرى وراءها، كمبادرة، أهدافاً خفية، أم لا!.
المشكلة الرئيسية، فى تقديره، أن إثيوبيا اتخذت خطوتها، دون التشاور مع مصر، طبقاً لمبدأ «الإخطار المسبق» مع دولتى المصب (مصر والسودان)، وهو ما يتعارض كلياً مع الأعراف والاتفاقيات الدولية والإقليمية، وقد أحسست بأن الوزير أبوزيد أراد أن يقول إن إثيوبيا لم تشأ أن تحترم زيارة «مرسى» لها، قبلها بساعات.. لولا أن الحياء منعه!.
فإذا جئنا إلى ما يجب عمله مرحلياً على مستوانا الداخلى، فإن «أبوزيد» يطلب من الرئاسة المصرية أن تضع المياه على أولوية أجندتها السياسية، وأن تشكل بسرعة مجلساً قومياً للمياه، وأن نغير من تعاملنا مع المياه، وأن نرشّد من استخدامنا لكل قطرة ماء، فى الزراعة التى لاتزال بالغمر، وفى الشرب الذى يشهد سفهاً فى الاستخدام لا حدود له!.
ولا نملك هنا إلا أن نتساءل فى حسرة وحزن: إذا لم يكن الماء على رأس أولويات رئاستنا، فما هو بالضبط الشىء الذى يحتل رأس هذه الأولويات عندها؟!