طالت الجلسة واستنزف الحضور خلالها كل خزين الشماتة والسخرية، ثم سيطرت لحظات من الصمت على الحضور لنكتشف أن المشكلة ما زالت قائمة وربما تحمل أبعادا مأساوية مستترة.
بعد تفريغ الوقائع من الأسماء، تبقى لنا رئيس مصرى يتعرض لعدد من الإهانات فى بلد ما، استقبال مهين، قطع الكلمة عنه فى أثناء المؤتمر، تبكير موعد إطلاق مشروع يؤثر سلبا على مصر، بمجرد أن أنهى رئيس البلد جلسته مع الرئيس المصرى، كأنه كان يختبر أعلى ما فى خيل الرئيس المصرى فوجده يمتطى سلحفاة عجوزا.
هل يفرق مع حضرتك كحامل للجنسية المصرية إن كان الرئيس إخوانيا أو فلولا أو ثوريا؟ وقعت الواقعة وطالتنا جميعا الإهانة وأصبح الأمر متعلقا بالشعب المصرى ككل وبتنا فى حاجة إلى أمور عدة.
أن نفهم بالضبط حقيقة وضع سد النهضة بعيدا عن التخمينات والدراسات المهملة وجلسات الاتفاق السرية. يقول المسؤولون فى إثيوبيا إن السد لن يؤثر على مصر، وإن إثيوبيا ونظرا إلى ضيق مجرى النيل بها لا تستفيد منه فى الزراعة، فبقى أن تستفيد منه فى توليد الكهرباء، ويختزلون الأمر فى مجرد استغلال للنهر دون أن يتم حرمان مصر من نصيبها فى الماء، وفى مصر نسمع كل فترة تقارير غير رسمية تقول إن نصيب مصر سيضيع منه مليار متر مكعب بفعل هذا السد.
نريد أن نسمع تقريرا رسميا عما إذا كانت المشكلة مشكلة موارد مائية أم أنها مشكلة سياسية من رواسب النظام القديم، مرتبطة بمحاولة اغتيال الرئيس السابق هناك، أو مشكلة سياسية فى حدود أننا نمتلك نهر النيل بحكم التاريخ، ولا يحق لأحد أن يستفيد منه دون إذننا، نريد أن نكون على علم بالبعد الحقيقى للمشكلة حتى لا تختلط الأوراق فنعيش فى حالة ذعر مثلا بسبب مشكلة سياسية بحتة تتراكم نتيجة غباء وتعالى أنظمة الحكم المتتالية على مصر، أم أنها مشكلة مياه حقيقية فينطبق عليها مقولة السادات إذا خاضت مصر حربا قادمة فستكون حرب مياه.
دقة المعلومات والتصريحات فى هذا الشأن واجبة خلال هذه الأيام، لأن الأمر أكبر من حاكم مكروه هو وجماعته، الأمر يتعلق بذعر إما حقيقى وإما إنه كاذب لكونه مجرد فرصة جديدة لتصفية الحسابات، إما يصارحنا النظام بورطة -ولعلها تكون مناسبة جديدة للتوحد- وإما يتمسك بسياسة التبرير الفاشلة فيدخلنا فى معارك جانبية تستهلكنا حتى نصحو غير قادرين على التمييز بين مجرى النيل ونفق الأزهر. كل الأطراف مطالبة بالشفافية وتحكيم الضمير الوطنى بدقة بالغة.
نريد أن نعرف حقيقة ما قيل إن الإعلان عن بناء سد النهضة تم برضاء الدكتور مرسى وباتفاقه مع الرئيس الإثيوبى، إن كان الأمر صحيحا «فعايزين نعرف بأمارة إيه» وإن كانت كذبة إعلامية فهذا إقرار وتأكيد أن الإهانة وقعت، وفى كل الأحوال وبعد أن نعرف جيدا كل ملابسات القضية يبقى التحرك الشعبى مطلوبا. مطلوب أولا لرفض الإهانة من الطرفين.. إهانة إثيوبيا للرئيس المصرى وإهانة الرئيس المصرى لنا. ومطلوب بدرجة أكبر إذا كان الأمر اغتصابا للحقوق. فى الحالتين علينا أن ننتفض لننقذ ما تبقى من ماء النيل أو ماء الوجه.