لا تتوقف جماعة الإخوان أمام دستور أو قانون، فقد اعتادت العمل بعيدا عن أطر الدولة ومؤسساتها، بل إنها تعتبر مؤسسات الدولة عقبات فى طريق استكمال مشروعها. خالفت الجماعة الدستور والقانون وقفزت فوقهما كثيرا، وفى أعقاب تنحى مبارك مكَّنها المجلس العسكرى بقيادة طنطاوى من تجاوز القانون مرات عديدة، ورغم أن الجماعة شاركت بشكل رئيسى فى صياغة التعديلات الدستورية فإنها كانت أول من انتهك هذه التعديلات، فقد ناور الدكتور مرسى كى لا يحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية، ومنذ تسلمه السلطة لم يتوقف الدكتور مرسى عن انتهاك الدستور، فقد بدأ بقرار إعادة مجلس الشعب وهو المجلس الذى قضت الدستورية العليا بحله، نظرا لبطلان بعض مواد قانون الانتخابات، وعندما بدأت المحكمة فى نظر مصير مجلس الشورى المنتخب بنفس مواد قانون انتخابات مجلس الشعب، ومن ثم يسرى عليه ما سرى على مجلس الشعب، أمر أنصاره بمنع المحكمة الدستورية من نظر القضية، فحاصروا المحكمة ومنعوا قضاتها من النظر فى قضية حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور. أصرت الجماعة ورفاقها على كتابة دستور جديد للبلاد وفق رؤيتها الخاصة، وكان لهم ما أرادوا ومر الدستور فى استفتاء شعبى مثير للجدل. المثير هنا هو أن الجماعة بدأت فى انتهاك مواد الدستور الجديد الذى وضعته بإرادتها الكاملة، فقد وضعوا المادة (٢١٩) التى تنص على العزل السياسى لمدة عشر سنوات لكل من كان عضوا عن الحزب الوطنى فى مجلسى الشعب والشورى فى دورتى ٢٠٠٥ و٢٠١٠، وأعضاء أمانة السياسات والمكتب السياسى، وبعد صدور الدستور قام الدكتور مرسى بتعيين ٩٠ عضوا فى مجلس الشورى لاستكمال عضويته، وعين الدكتور مرسى سبعة أعضاء ممن ينطبق عليهم قانون العزل فى الدستور الجديد أعضاء فى مجلس الشورى، وبعد كشف وسائل الإعلام عن هذه الشخصيات ومواجهة رئيس الجمهورية بأنهم معزولون بموجب المادة (٢١٩) من الدستور الجديد، تجاهل الموقف تماما وكأن شيئا لم يحدث.
أثيرت القضية مجددا فى ملاحظات المحكمة الدستورية العليا على مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الذى أعده مجلس الشورى، فللمرة الثانية ترسل المحكمة ملاحظاتها لـ«الشورى» وتضمنت هذه المرة ملاحظة تقول بعدم جواز حرمان العسكريين ورجال الشرطة من التصويت فى الانتخابات، فهو حق دستورى لهم، ومن ثم أكدت المحكمة حقهم فى التصويت، وهو ما أثار حالة من الاحتجاج الشديد من جانب الجماعة ونوابها فى الشورى، تضامن معهم رفاق درب طويل من الخداع تحت مسميات مختلفة، تارة بزعم التمايز عن الإخوان وتارة أخرى تحت لافتة مدنية براقة ترفع شعار التوافق بين القوى السياسية. أعلن عدد من نواب الجماعة فى «الشورى» أنهم على استعداد تام لتطبيق كل ملاحظات المحكمة الدستورية العليا ما عدا منح رجال الجيش والشرطة حق التصويت فى الانتخابات، مبررين ذلك بأنه سوف يؤدى إلى تسييس الجيش والشرطة، أما رجل الجماعة فى المجلس، وزير الشؤون القانونية والبرلمانية السيد بجاتو فحاول أن يبدو متوازنا من خلال التأكيد على سلامة ملاحظة المحكمة الدستورية العليا التى تقضى بحق رجال الجيش والشرطة فى التصويت، لكنه يرفض ذلك من أرضية سياسية حيث سيؤدى ذلك إلى تسييس الجيش والشرطة، فضلا عن صعوبة تطبيق هذا الأمر.
أصابت ملاحظات المحكمة الدستورية العليا، وتحديدا تلك التى تدعو إلى منح رجال الجيش والشرطة حق التصويت، أصابت الجماعة بصدمة شديدة، فمؤسستا الجيش والشرطة من مؤسسات الدولة التى لم تتمكن الجماعة من اختراقهما والتمكن منهما، ومن ثم فهى تعتقد أن الاتجاه الغالب لرجال المؤسستين سيكون التصويت لقوى أخرى، من هنا ترفض الجماعة ملاحظة المحكمة الدستورية العليا وتسعى للالتفاف حولها والتغلب عليها من خلال حديث فى السياسة لا الدستور، نعم الجماعة وضعت الدستور الجديد مع رفاقها من تيار الإسلام السياسى وجماعات انتهازية محسوبة على التيار المدنى، لكن مصلحة الجماعة تقتضى تعطيل المبدأ الدستورى، ومن ثم جاء الحديث عن التسييس وعن العصوبات العملية التى تحول دون تنفيذ ذلك، وهى دفوع لا علاقة لها بالمبادئ الدستورية، فرجال الجيش والشرطة يصوتون فى عديد من الدول الديمقراطية دون أن يحدث تسييس للجيش، ولم يتحدث أحد هناك عن تعطيل حق دستورى أو سلب مواد حقه فى التصويت فى الانتخابات، لأن هناك صعوبات تحول دون ذلك، هذا حديث لا علاقة له بمبادئ دستورية مستقرة وحقوق راسخة للمواطن كمواطن بصرف النظر عن مجال عمله، وما حديث الجماعة عن رفض منح رجال الجيش والشرطة حق التصويت إلا نوع من انتهاك الدستور الجديد الذى لم تتوقف الجماعة وشركاؤها عن الإشادة به ليل نهار.