يحكى أنه فى زمان «ليس ببعيد» فى طرف إحدى الغابات كان يعيش بعض الطير ليس كمثل باقى الطير.. لا يطير فى أسراب ولا قطعان، فكل من فيهم حالة متفردة.
رغم ذلك لم يتمكنوا من الطيران إلا فى حضوره، إنه الغريب الذى جاءهم من عالم آخر مختلف عما يألفونه، جاءهم من ضفاف نيل يحكون أنه الأكثر دفئا وثورة وعطاء.
اعتادوا بعد ذلك على ظهوره فى أوقات محددة من العام يرونه يقف هناك على شجرة كبيره فى الليالى المقمرة يزداد بهاء ويتعلمون منه كيف يستخدمون أجنحتهم ليحلقوا معه كما يحلق. شعورهم باختلافه أكد شعورهم بالاختلاف، ظلوا لسنوات يرون بعينيه، حتى حانت اللحظة تلك التى قرروا فيها أن يثوروا على الظلم والتبعية، وأن يقولوا للجميع نحن هنا.
لكنه لم يكن معهم، اختبأ فى مكان ما منتظرا ما سيحدث، ما سيؤول إليه الأمر وما سيفعلونه، لم يخاطر كما خاطروا، انتظروه فى الميدان فلم يأت، بحثوا عنه فى كل الأرجاء فلم يجدوه، بحثوا عن صوته ليشاركهم الفرحة بعد وصولهم للمرسى لكن لم يسمعوه.
مر عامان دون وجوده بينهم، وعندما حاول الظهور أخيرا لم يعد كما كان، لم يعد القمر يضيف إليه بهاءه المعهود. اختياراته لأماكن ظهوره لم تعد كما كانت، أصبحت غير مميزة، غير مهمه، لا تليق بهم أو به.
أصبح يظهر مثله مثل الجميع متلونا بألوان غير ألوان جناحيه التى عرفوها. لم يعد متحكما فى انفعالاته، لم يعد واثقا ثقته الأولى ولا مستمعا لما يقولونه ظانًّا أنهم باتوا يكرهونه، لكنه لم يفهم أن صورته لم تعد كما كانت، لم يلمح الإحباط وخيبة الأمل فى عيون بعضهم عندما ظهر منذ أيام مرتبكا محاولا استعادة ثقة هدمها بيديه.
كل هذا ليس مهما، فالمهم الآن أن يخبره أحد بضرورة أن يتوقف عما يفعل، لربما عاد إليه بريقه القديم وإلا عليه أن يصمت تماما، ويتركهم حالمين ببهائه الأول، مستمتعين به، مقتنعين أن الصورة ما زالت جميلة كما هى، ولم يصبها شىء من الانكسار.