عندما انتصبت المنصات للإعلان عن النصر المبين، بعودة الجنود السبعة فى سيناء كان هناك حادث اختطاف آخر، لم يجد مخطوفه من يفبرك له فيديو يستجدى فيه الرئيس، رغم أن الحادث الغامض تم فى قرية بالشرقية، ليست من الأطراف الصحراوية للمحافظة المترامية، بل تعد من ضواحى القاهرة، هى قرية ميت سهيل التى تبعد عن العاصمة بستين كيلو مترا فقط. على مسافة كيلو متر واحد أوقف الملثمون المختطف، وأنزلوه من سيارته التى تركها دائرة، وحملوه فى سيارتهم، وانطلقوا، ومن فرط اطمئنانهم شقوا به القرية نفسها.
ويبدو أن البعد والقرب من العاصمة ليس معيارا، فاختفاءات شباب الثورة تمت على أبواب القصر وفى المعسكرات المحصنة وعلى أبواب وزارة الداخلية، وكلهم لم يعودوا أو عادوا جثثا، بينما عاد المخطوفون على الحدود، فكسبنا حياتهم وفيلمين هابطين على اليوتيوب للأسر والتحرير.
بطل نبأ الاختطاف المسكوت عنه هو الدكتور فايق مصطفى، رئيس مركز رعاية الطفل بالزقازيق. وقد نشر خبر اختطافه فى أكثر من صحيفة مقتضبا.
وهو- لعلم من يحكمون- يختلف عن الثوار العصاة والجنود الطائعين. لا هو من الناشطين السياسيين ولا هو أداة فى يد من يطاردونهم. طبيب من الفصيلة النادرة التى نعرفها جيدا، والتى ساهمت فى استمرار مصر رغم خراب النظام. يترك بيته وأولاده فى الزقازيق ليذهب إلى مسقط رأسه أربع أو خمس ليال فى الأسبوع، يوقع الكشف الطبى على أبناء قريته، وكثير منه مجانى مشمول بشراء الدواء للمحتاجين، حتى إن بعضهم يسمى أولاده بـ«أولاد الدكتور حمدى ـ وهذا هو اسمه بين أهله خارج الأوراق» لأنه أنقذهم، وأعادهم من أمام أبواب القبر.
حرر الدكتور الكثيرين من اختطاف الموت المتحالف مع الفقر والإهمال. وحتى لو لم يفعل ذلك لكان من حقه أن يكون آمنا فى حركته. حق الحياة مكفول حتى للمجرمين، وذكر مناقبه هنا ليس من باب إعطاء مبرر لإنقاذه، وليس لترقيق قلب رئيس أو وزير، فهذه مسؤولية الحاكم سياسيا ومسؤولية الداخلية المستنزفة فى قتال ثوار يحاولون استعادة الثورة التى تعرضت لسطو مسلح بالنار والمؤامرات وأقنعة الدين.
مناقب الدكتور ضرورية كذلك، لبيان مدى جنون هذا الحادث؛ فالرجل بلا عداءات، وكل المنطقة تعرف أن أهله كذلك. وهو ليس منافسا سياسيا لأحد، يبذل عرقه وخبرة عمره من أجل الله الذى يعرفه كل المصريين الحقيقيين، وليس من أجل الإله المختفى فى صندوق انتخابات.
ذهب حمدى مصطفى، وإلى اليوم لم يظهر، ولم يتحرك أحد لتحريره. ويبدو أن الخاطفين جدد فى كار الخطف غير مستعدين بكاميرا لتصوير الفيديو المطلوب، بل يبدو أنهم لا يمتلكون قنوات للتفاوض. وهذا هو الخطر على حياة الطبيب؛ فانعدام الخبرة هذا يجعل حياته فى خطر أكثر مما لو كان فى أيدى محترفين.
أدعو الله الذى أعرفه، كما يعرفه المصريون كافة، أن يعود الدكتور سالما لأهله ومحبيه، وأن يرقق قلوب خاطفيه الذين أثق ـ من دون أن أعرفهم ـ بأنها أرق من قلوب الحلف الخاطف لمصر. وأعلن من هنا رعبى على التطور الذى وصلت إليه أعمال الخطف بسبب إفلات الأمن.
كان الخطف للمركوب فى الفترة التى استغرقها إعداد الطبخة السياسية المسمومة، وبعد عام من حكم الإخوان صار الخطف للراكب- أى من سرقة السيارة وطلب فدية صغيرة إلى سرقة قائدها، لطلب فدية بالملايين. واختطاف حمدى مصطفى ليس الحادث الوحيد فى هذا النوع من الجرائم التى يجب أن ينتبه إليها الشرفاء فى الشرطة، إنقاذا لأهلهم وإنقاذا لسمعة وكرامة مهنتهم التى تكون نبيلة وضرورية بقدر ما يكون ولاؤها لشعبها المخطوف وليس للخاطفين.