
ففي مدينة باريس..أصرت كوكب الشرق على إحياء حفلة من أجل المجهود الحربي فقد كانت الغاية سامية والهدف نبيل..نعم أصرت أن تؤازر وتساعد وتقدم المساعدة من أجل النهوض بالقوات المسلحة المصرية لخروجها من كبوتها ومحنتها.
وفي عام 1968 أي بعد الهزيمة والنكسة بعام واحد قررت بداية رحلة العطاء والدعم،حيث غادرت بصحبة فرقتها إلى باريس عاصمة النور والفن والجمال،وقررت المواجهة والتصدي للأقدار التي كتبت على الشعب المصري وبمنتهي القوة والشموخ جابت العالم لتبرهن للدنيا أن مصر والعرب قادرون على النهوض والوقوف بثبات رغم الهزيمة والانكسار.
جهود كثيرة ومساعي عديدة بذلت من اسرائيل واعوانها للحيلولة دون إقامة هذه الحفلة بالتحديد التي قررت اقامتها في باريس..لم يفلحوا بل جاءت كل محاولتهم مخيبة للظنون والتوقعات بل والترتيبات أيضا..استعد الجميع..اكتملت الطقوس التي كانت تحرص عليها "كوكب الشرق"..وقفت بهامتها وطلتها الشامخة الواثقة لتشدو وتشجي وتطرب بقصيدة "الأطلال" الرائعة لكاتبها المبدع الدكتور إبراهيم ناجي..ومن ألحان الموسيقار المتألق رياض السنباطي.
وفي حالة ترقب وانصات بل وتجلي وشجن..بدأت تشدو بمطلعها الرائع "هل رأى الحب سكاري مثلنا..كم بنينا من خيال حولنا" في هذه اللحظة..لحظة الشجن والطرب..استبد وسيطر الطرب والهوس على أحد الشباب الموجودين في الصالة فانطلق مسرعا وصعد إلى خشبة المسرح وجلس أمام "أم كلثوم" على ركبتيه وامسك بقدميها بكلتا يديه عازما وبإصرار وتحدي على تقبيل قدميها.
رفضت كوكب الشرق بكل إباء وشمم أن يقبل قدميها..حاولت أن تخلص قدميها من بين يديه فسحبها إلى الوراء..وبين الشد والجذب بينها وبين الشاب اختل توازنها...وتهاوي جسدها وسقطت علي خشبة المسرح.
كان سقوطا مؤلما ..موجعا..محرجا.. ولكن.لم يستغرق هذا الموقف منذ سقوطها ووقوفها ثانية شامخة مكتملة الادوات وعودتها إلي الغناء أكثر من 3 دقائق..تحاملت على نفسها وتحملت الألم..ونهضت بكل حماس تواصل غناء "الأطلال" بنفس الابداع والقوة والتألق..وبذكائها المعهود وخفة ظلها الفطرية حولت الموقف المثير إلى "نكتة" لتخرج الجمهور من حالة التوتر والارتباك التي سادت المسرح وتعيده مرة أخرى إلى جو الغناء والطرب والشجن..وبذكاء أشد بل وتمرس في مواجهة المواقف بسرعة شديدة.
وغنت مقدمة البيت علي نحو جديد وأسلوب مبتكر يتماشى مع الحدث..فاذا بها تغني "هل رأى الحب سكاري مثلنا"، مشيرة بيديها إلى الشاب "المغرم الولهان" وهو في هذه اللحظة بين أيدي رجال الأمن يقودونه إلى خارج المسرح ليزول التوتر ويعم الاندهاش من هذه القدرة الفائقة على سرعة التصرف واحتواء الازمة وينطلق تصفيق الجمهور بقوة مدوية ويهتفون لها بحرارة أشد،معربين لها عن شكرهم وامتنانهم بها لحرصها الشديد علي امتاعهم واستكمال الغناء رغم الألم ..لتقف رائعة شامخة وتقود فرقتها بتحكم وبراعة لتسعد الملايين من عشاقها ومرديها لتطلق جماهير الصالة هتافات مدوية:"عظمة على عظمة..علي عظمة ياست". .