أول من أمس كان يوما فلسطينيا حافلا فى مهرجان «كان» ليثبت الفنان الفلسطينى أن المقاومة بالسينما أحد الأسلحة التى يمتلكها فى تلك المواجهة، فاز الفيلم الفلسطينى «عمر» للمخرج هانى أبو أسعد بجائزة لجنة التحكيم فى مسابقة «نظرة ما» والفيلم يشرع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، قبلها بساعتين وداخل مسابقة الفيلم القصير وهى من التظاهرات التى تقام سنويا على الهامش، وبالطبع تسرق الكاميرا من كل الفاعليات الأخرى الموازية، حيث إنه قبل ختام المهرجان بأربع وعشرين ساعة فقط تُعرض الأفلام القصيرة، هذه المرة كان لنا فيلم عربى فلسطينى من قطاع غزة، إنه مع كثير من التحريف فى العنوان الحرفى «بالونات الكاندوم» العازل الطبى، حيث إن الزوجين لديهما طفل واكتفيا بهذا القدر ويريدان فقط ممارسة حقهما الطبيعى فى الحياة، ولكن أزيز الطائرات فى انتفاضة 2009 على غزة توقظ الطفل أحيانا فيصرخ ويمنع أى محاولة لاستكمال اللقاء وبعد أن تهدأ الصرخات يصبح من المستحيل أن يكمل الزوجان ما بدآه. المخرجان الشقيقان محمود وأحمد أبو ناصر من قطاع غزة قدما هذا الفيلم الاستثنائى فى بنائه، حيث استخدما ببراعة وسيلة تعبير عبقرية للحرب وما يجرى فيها بعيدا عن البناء التقليدى الذى قدمته وشاهدناه فى عشرات الأفلام منذ عام 48 بعد النكبة، يكتب المخرجان هذا السيناريو العبقرى وهما يوثقان الموقف السياسى والعسكرى برؤية ساخرة تجعلك تضحك وأنت تقرأ على الشاشة مر يومان ونرى الزوج وهو قد نفخ فى العازل ليتحول إلى بالون فى أعلى سقف الغرفة وبعد ذلك تتوجه زاوية الكاميرا إلى الأرض لنجد بالونتين ثم نقرأ على الشاشة مر 22 يوما ليصبحوا 22 بالونا، ثم نستمع إلى أزيز طائرات وصوت مدافع وتفجيرات قنابل، ويفتح الشرفة ويتطلع إلى السماء لنكتشف أنها ملبدة بمئات من العوازل الطبية تمرح فى الهواء.
إنه ليس تعبيرا عن العجز، ولكن عن القدرة المكبوتة غير القادرة على التعبير الصحيح عن نفسها، لو تأملت الصراع بعمقه لاكتشفت كم أننا بالفعل فى صراعنا مع إسرائيل نشبه هذا الفيلم فما يعانيه العرب ليس عدم قدرة، ولكن هم لا يتمكنون من خوض المعركة فى التوقيت الصحيح، ولهذا فإنه لم يتبق لهم سوى تلك البالونات التى تمرح فى الهواء.
■ ■ ■
أعلنت جوائز قسم «نظرة ما» فى المهرجان وكما توقعت فى هذه المساحة فى أكثر من مرة فوز فيلم «الصورة المفقودة» للمخرج ريثى باناه بالجائزة وهو فيلم من كمبوديا، قيمة هذا العمل الفنى أنه يعلى من شأن الصورة، خصوصا السينما وبقدر ما هو عمل فنى يستحق التحية، فإنه فى عمقه يوجه تحيه أيضا إلى السينما.
«الصورة المفقودة» تروى تاريخا يقع ما بين عامى 75 و79 فى أثناء حرب الإبادة التى تعرض لها جزء أصيل من شعب كمبوديا، كانت هناك محاولات فى أثناء تلك الحرب لتوثيقها، ولكن اكتشف المخرج أن عوامل الزمن تدخلت وسحقتها تماما مزج المخرج بين تلك الرؤية التى صورت فى زمن سابق بين التسجيلى والروائى وهو ما يطلق عليه «سيمى دراما» شبه درامى، مستعينا أيضا بالرسوم التى سجلها فنانون، ولكنها لم تكتمل، بل وبحكم الزمن وضآلة الخبرة فى التخزين ضاعت ملامح هذه الأشرطة تماما وتوارت تفاصيل تلك الرسوم، ولكن المخرج لم يكتف فقط بأن يحاول ترميمها، ولكنه كان يحرص على أن يعيد إليها أيضا نبض الحياة. الفنان دائما لا يقهره شىء والفن لا يزال هو القادر على التوثيق وكما كتب القدماء المصريون التاريخ على أوراق البردى وحفروه على أعمدة المعابد، فإن الشريط السينمائى وثق حياتنا، ولكن ماذا يفعل الفنان عندما يجد أن الأرشيف تم انتهاكه والصور ضاعت ملامحها، يستطيع الفنان أن يعيد إلينا هذه الحياة من خلال إضافاته الخاصة، لقد استطاع المخرج مجددا أن يقفز فوق كل العوائق وحفر العديد من الشخصيات على الخشب وأعادها لنا مرة أخرى فى حالة ألق وإبداع لنسترجع كيف حدثت الإبادة لمن نطلق عليهم «الكمبوديين الحُمر».
■ ■ ■
الفنانان الكبيران قامة وقيمة وعمرا عمر الشريف وأميتاب باتشان جمعهما هذا العام فى «كان» شىء مشترك، حيث إن كل منهما كان ضيف شرف. باتشان فى فيلم الافتتاح «جاتسبى العظيم» وعمر الشريف فى فيلم فى المسابقة الرسمية «قصر فى إيطاليا»، لم أشعر فى الحقيقة أن فى هذا الوجود ما يستحق شرف المشاركة، فلقد جاء باتشان إلى «كان» وصعد على السجادة الحمراء يوم الافتتاح لن يتذكره أحد فى الفيلم ولا المهرجان، بينما عمر الشريف لم يحضر ووجهت له على تترات الفيلم كلمة تحية، النجمان الكبيران شاركا بالطبع من أجل المقابل المادى فلا توجد قيمة أخرى تستحق فى الفيلمين، باتشان مكانته فى الهند وتبدو وكأنه فى مصاف أشباه الآلهة وتعود الهنود أن يحجون إلى بيته مرة كل أسبوع فقط للتعبير عن الحب، كما أنه حظى بمكانة استثنائية عالميا، وعندما أقامت إذاعة «بى بى سى» فى مطلع هذه الألفية استفتاءً عن أهم فنان عالمى فى القرن العشرين كان اللقب من نصيب باتشان بعد أن توحد كل الهنود للتصويت لصالحه، أما عمر الشريف فيكفيه أنه لا يزال الفنان العربى الوحيد الذى حقق مكانة عالمية مرموقة ولا يزال عندما يذكر اسم مصر فى الخارج يصبح عمر واحدا من أسماء قليلة جدا تقترن بها، هل هو الزمن الذى دفع النجمين إلى قبول العمل كضيفوف شرف، فى عز النجومية من الممكن أن يقبل الفنان ذلك أما مع بداية تضاؤول الوجود فعليه أن يفكر ألف مرة قبل أن يقبل لقب ضيف شرف!!
■ ■ ■
نائب رئيس مؤسسة السينما الصينية غادر، كان غاضبا، وذلك بعد أن اكتشف ضياع كل حقائبه وأوراقه الشخصية وجواز سفره بعد ساعات قليلة من وصوله، جاء الرجل لإلقاء محاضرة وعقد اتفاقات داخل المهرجان، إلا أنه فوجئ بعد لحظات باقتحام غرفته وسرقة كل شىء فرفض أن يجرى أى اتفاقات أو يعقد حتى مؤتمرا صحفيا، وهكذا تعددت السرقات داخل جنبات المهرجان منذ بداية الافتتاح مع سرقة المجوهرات التى يتم إعارتها إلى النجوم فقط للتصوير حتى اقترابنا من الختام وأصبح على كل من عليه الاقتراب من المهرجان أن يتأكد من موبايله ونقوده وحتى لغاليغه!!