فى حياة الأمم تتجيش الجيوش لحماية الشعوب والأوطان من أى عدوان. فالجيش المصرى هو أول جيش نظامى عرفه تاريخ البشرية، حيث تأسس عام 3200 ق.م فى عهد الملك نارمر، وقد كان الجيش المصرى فى هذا الزمان البعيد أقوى جيش فى العالم، ومرت دهور وأزمان - حكم عبرها ملوك وحكام - لم نشهد خلالها يوما أن أصبح الجيش فى مواجهة الشعب.
فذاكرة الشعب المصرى عن جيشه تتجسد فى قصص وبطولات أبنائه.. بداية من سحق الهكسوس على يد أحمس، مروراً بقهر الصليبيين.. ودحر المغول، وانتفاضة أحمد عرابى ورفاقه ضد الخديو.. حتى قيام ثورة 23 يوليو على يد عدد من الضباط الشباب.. وحرب تحرير سيناء فى أكتوبر 73.. التى ما زالت توابعها تمس كثيرا من البيوت المصرية.. التى ضحى أبناؤها بأنفسهم حتى تم تحرير الأرض.
لتأتى ثورة يناير، وبالتحديد يوم 28 يناير 2011 عندما شقت أول مدرعة طريقها إلى ميدان التحرير فى مساء هذا اليوم. لتستقبل بالزغاريد والترحاب وهتافات «الجيش والشعب إيد واحدة» من أبناء ميدان التحرير، الذين شهدوا يوما داميا فى مواجهة قوات الداخلية.. فقد أذهلت ثورة يناير الجيش قبل أن تذهل الحاكم، وبدا ذهول الجيش فى تخبط قياداته فى بداية الثورة، وعدم إعلانه عن الانحياز للثورة إلا بعد 15 يوما من نزول قوات الجيش لحفظ الأمن والمنشآت العامة، ومنح الثوار يوم 11 فبراير السلطة للجيش بالرحيل من ميدان التحرير، معمل صناعة الثورة، حيث قبل الشعب فى ذلك الوقت بحكم الجيش لما له من خلفية وطنية فى أذهان المصريين، ولأن الجيش هو من يملك السلطة البدنية والقوة الحاسمة لأى صراع سياسى.
وفى بداية إدارة المجلس العسكرى السابق - الذى يضم أرفع المناصب العسكرية فى الجيش- للبلاد أكد عدم رغبته فى الاستمرار فى الحكم.. وأعلن أن نواياه تتجه إلى تسليم البلاد لسلطة مدنية منتخبة.. وهو ما توافق مع المزاج العام للشعب، الذى عانى على مدار عقود من حكم العسكر.. وسريعا ما بدأ الشد والجذب، ودب الخلاف بين ميدان التحرير والمجلس العسكرى السابق، الذى كان ينظر للثورة على أنها انتفاضة إصلاحية قضت على مشروع التوريث.. متجاهلا ما تطلعت إليه ثورة يناير من تغيير جذرى يطال كل سلطات ومؤسسات الدولة، التى منها المؤسسة العسكرية، والتى اصطدمت مصالحها مع تطلعات الثوار، وتسرب إلى جنرالات الجيش وقياداته الخوف على أنفسهم ومصالحهم وامتيازاتهم، التى امتدت حتى داخل الحياة المدنية، خاصة بعد وقوع أعمدة النظام البائد تحت طائلة القانون، الذين كانت تربطهم معهم شبكة المصالح المشتركة.
لتصل الأمور إلى حد المواجهة بين الثوار والمجلس العسكرى السابق بداية من فض اعتصام مارس 2011 بالقوة، مرورا بأحداث ماسبيرو.. ومحمد محمود.. وقصر العينى.. حتى تسليم السلطة فى يونيو 2012.. والتخلص من طنطاوى وعنان وبعض أعضاء المجلس العسكرى بطريقة غامضة لم يفهمها أو يعرف أبعادها الحقيقية الشعب.. ليعتلى قيادة الجيش الفريق السيسى، الذى صنفه الكثيرون فى البداية على أنه تابع لحكم الإخوان.. ليستطيع الرجل على مدار شهور قليلة أن يحسن صورة الجيش أمام الثوار، ويرسل بكلمات تمس مشاعر المصريين.. ليخرج بتصريحات أحيانا توصف بأن فيها تحديا لنظام الإخوان، وفى أحيان أخرى يصرح بأن الحل الوحيد يكمن فى الانتخابات والصندوق، وأنه ليس للجيش علاقة بما يحدث من صراع سياسى.. ليتحول السيسى أمام الكثيرين من أبناء الثورة والشعب إلى الرجل الغامض.
فالجيش تحت قيادة طنطاوى وضع فى مواجهة الثورة، ليمهد طريق الحكم أمام الإخوان، أما وقد رحل طنطاوى، ووصل الإخوان لسدة الحكم.. وباتت الثورة والجيش والوطن فى خطر، فليس أمامنا سوى اتحاد الثورة والجيش فى مواجهة خطر الاحتلال الإخوانى لمصر.. ليصبح لزامًا على الجيش أن يعود من جديد إلى المشهد منحازا إلى قوى الثورة.. لما يمثله من عامل قوة فى مواجهة ميليشيات الإخوان وتابعيها.. وفى عودته يجب أن يتعلم مما مضى فيقتصر دوره على حماية الوطن من الميليشيات المسلحة والقضاء عليها، وأن يكون ضامنا لعملية التحول الديمقراطى، وبناء مؤسسات الدولة دون أن يتدخل فى الإدارة السياسية للبلاد.. حتى لا تتكرر أحداث ماسبيرو وقصر العينى من جديد.
فالوطن بات فى خطر.. فعلى أبناء الثورة والجيش أن ينتفضوا معا لإنقاذ مصر قبل أن تضيع على يد الإخوان.