أولا: الكهرباء نعمة مثلها مثل كل منجزات التطور والتقدم الإنسانيين، لهذا فإن دوام مرورها الهادر فى الأسلاك والكابلات من دون توقف ولا انقطاع قد ينسينا شكر المولى تعالى عليها، لهذا فقطعها يعيدنا إلى حظيرة الحمد والشكر ويذكرنا فى الوقت نفسه بأن الكهرباء وسواها من مظاهر ومنتجات الحداثة والتمدين من صنف «النِّعم» القابلة للزوال تماما ونهائيا إذا ما بقى الظلاميون الفاشلون الفاشيون فى وضع الرقاد على أنفاس أهالينا، أكتر من كده.
ثانيا: ثم إن الظلام الذى يخلفه غياب النور الكهربائى يوفر فرصة ثمينة للإنسان عموما والأخ الإنسان المصرى المعاصر خصوصا، لكى يعرف أن الله حق وأنه كائن مهدور الجناح وضعيف جدا ولا يليق به الغرور والسعى فى الأرض مرحا من دون سبب، ومن ثم يتذكر أن القدر الأسود عندما يحل عليه بالبلاوى والنوائب فإنه يضحَى أهون شأنا من ناموسة وأقل قدرة بصرية من الخفافيش والوطاويط التى تتألق وتنشط فى العتمة ودياجير الظلام فحسب.
ثالثا: شيوع العتمة يستدعى إلى أذهان الناس حقيقة ظلمة القبر وحره ووحشته فيتعظون ولا يتجبرون ولا يغرنهم نعيم الحياة الدنيا ومتاعها الزائل (فعلا) مما يزيد إيمانهم وتقواهم، وربما فى ذلك تفسير معقول لقلة التقوى التى تبديها حاليا نسبة ملحوظة من سكان حى «التجمع الخامس»، إذ بسبب وجود بيت فضيلة الدكتور «الذراع الرئاسية» للجماعة السرية وبيوت ثُلة من قادتها فى هذا الحى، فإن ظاهرة العتمة الكهربائية التى يكابدها ملايين المصريين أينما كانوا لا يكاد هؤلاء السادة «التجمعيون» يعرفونها.
رابعا: قطع الكهرباء وثقل الظلام الدامس الناجم عنه، قد يساعد أهل مصر على تفهم وإدراك كيف كان تأثير العتمة المادية والعقلية والروحية الطويلة، التى شب وعاش فيها أهل «جماعة الشر» قبل أن ينجحوا فى السطو المسلح على حكم البلد.
خامسا: كما أن قطع الكهرباء بطريقة هوجاء عمياء لا تميز بين مسكن ومطار ومستشفى، يشى بأن للكهرباء استخدامات أخرى غير تقليدية ظلت مجهولة لنا منذ أن زارتنا الحداثة (مواطنة مريضة ماتت مؤخرا فى أحد المشافى بسبب انقطاع التيار)، فقد كنا نعرف فقط أن خدمة توصيل الكهرباء مجانا لأبدان الناس فى السجون والمعتقلات هى وسيلة من وسائل «التربية والتعذيب» وتعليم خلق الله الأدب واحترام الحكام الأنطاع الظالمين مثل إشارات المرور، لكن ضيق عقولنا وضعف خيالنا لم يمكنانا من توقع عصر أسود يتوسل فيه هؤلاء الحكام بفعل «القطع الكهربائى» كأداة ناجعة للتخفيف من حدة أزمة الزيادة السكانية عن طريق نقل السكان المرضى رأسا ومباشرة من المستشفيات إلى نعيم الحياة الآخرة.
سادسا: تفاقم واتساع ظاهرة قطع الكهرباء عن مصر يؤهل المصريين ويدربهم ويحفزهم على «النهوض» من أسْر الحياة العصرية المريحة والاستعداد للسفر إلى الماضى السحيق حيث التخلف والجاهلية، لكن يبدو أن خطة «النهضة» والتقدم للخلف سوف تسير فى طريقها المحتوم بالتقسيط المريح وعلى مراحل متدرجة أولاها العودة إلى عصر ما قبل الثورة الصناعية، وآخرها الاستقرار فى قلب عصر كان الكائن البشرى يمشى فيه على أطرافه الأربعة، محنيا مكسورا ومطأطئ الرأس.
لهذه الفوائد الست وغيرها، لم تستعن حكومة فضيلة جناب «الذراع الرئاسية» باللهو الخفى المجهول الذى فاوض المجرمين الذين خطفوا جنودنا، لكى يعيد هذا الأستاذ «اللهو» النور والكهرباء، كما أعاد المخطوفين!