عاد الجنود المختطفون، صباح أمس «الأربعاء»، بعد أن ضيّقت القوات المسلحة الخناق على الخاطفين، وبدأت تعمل لتحرير جنودها وأفراد الشرطة دون انتظار قرار رئاسى، فقد بدا واضحًا أن للرئاسة حساباتها الواردة من مكتب الإرشاد، والتى يمكن قراءة بعض ملامحها من توجيه الموقع الإلكترونى لـ«الحرية والعدالة» الاتهام بالمسؤولية عن خطف الجنود مباشرة إلى وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السياسى، بعد أن وضعت له فيديو وهو يلقى كلمة عقّب الموقع عليها بالقول «الفيديو الذى تسبب فى خطف الجنود».
عاد الجنود مع ساعات الصباح الأولى، ولم يفوّت مرسى المناسبة، بل سعى إلى استثمار المشهد فى محاولة لكسب ود وتأييد بات مفتقدًا بشدة ولن تعيده عودة الجنود، فمنذ اللحظات الأولى لخطف الجنود، أصدر مرسى بيانًا قال فيه إن الرئاسة تسعى لمعالجة الموقف من خلال الحرص على أرواح الخاطفين والمخطوفين، وهو تصريح لا بد أن يسجّل باسم الرئاسة المصرية فى عهد مرسى، فالدولة المصرية على يد مرسى حريصة على أرواح إرهابيين خارجين على القانون انتهكوا سيادة الدولة المصرية على نحو لم نرَه من قبل، لا فى إفريقيا جنوب الصحراء، ولا فى دول أمريكا اللاتينية حيث كانت تنتشر عصابات تهريب المخدرات «كما هى الحال فى كولومبيا» أو الجماعات اليسارية المتطرفة التى تقاتل النظام وتخطف جنود الجيش «جماعة الدرب المضىء فى البيرو»، لم نرَ من قبل مسؤولًا فى هذه الدول التى عانت انفلاتًا أمنيًّا وصراعًا مباشرًا بين جيوشها وعصابات مسلحة، مسؤولًا يتحدّث عن الحرص على حياة الخاطفين.
عمومًا عملية الاختطاف فتحت المجال أمام تكهنات فى حاجة إلى أدلة وبراهين، منها الصلات القوية بين القائمين بالاختطاف والجماعة وما بينمها من علاقات وظيفية جعلت الرئاسة ترفض منح الجيش الضوء الأخضر لتحرير الجنود. أيضًا هناك رؤية تعتمد على الاستنتاج السابق، ومن ثَم تقول إن عملية الاختطاف تم ترتيبها من أجل الإطاحة بوزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ورئيس أركان الفريق صدقى صبحى، ومن هنا نفهم الفيديو الذى بثّه موقع «الحرية والعدالة» الإلكترونى، وهو يوجّه الاتهام إلى وزير الدفاع بالتسبب فى خطف الجنود، ويستند مَن وصل إلى هذا الاستنتاج إلى واقعة استشهاد ستة عشر جنديًّا مصريًّا فى أغسطس من العام الماضى التى استغلها الرئيس مرسى فى الإطاحة بوزير الدفاع المشير طنطاوى، ورئيس الأركان الفريق سامى عنان، ومن ثَم فواقعة الاختطاف جرى الترويج لها باعتبارها تقصيرًا من جانب القيادة العسكرية. ويبدو أن قيادة المؤسسة العسكرية أدركت ما فى واقعة الاختطاف من إهانة للقوات المسلحة المصرية فى عيون المصريين، وما تمثّله هذه الواقعة من المساس بصورة الجيش المصرى إقليميًّا وعالميًّا، وربما أيضًا ما تنطوى عليه الواقعة من محاولة للإطاحة برؤوس المؤسسة، لكل ذلك كان الرد سريعًا، إرسال قوات ومروحيات إلى المنطقة، وعدم انتظار موافقة الرئيس على العمل العسكرى لتحرير الجنود، وفرض العمل العسكرى على الأرض. جاء الإفراج عن الجنود مع الساعات الأولى لصباح أمس «الأربعاء»، ليطرح أسئلة بأكثر مما يقدّم من إجابات، لكنه فى الوقت نفسه يكشف بوضوح عن أن منطقة شمال سيناء باتت خارج السيادة المصرية، وأنها أصبحت مرتعًا للجماعات الإرهابية والجهاديين من شتى بقع الأرض، وهو ما سبق وشدّدت عليه أجهزة استخبارات عالمية وعلى رأسها الألمانية، لكل ذلك نقول كان خبر عودة الجنود مفرحًا للمصريين، لكن فرحتهم ستكون أكبر وأعمق عندما تعود سيناء إلى حضن الوطن، تبسط مصر سيطرتها وتفرض سيادتها على أراضيها، تعود مصر إلى سيناء، تتعامل معها باعتبارها قطعة من أرض الوطن تستحق رؤية تنموية شاملة، ومشروع نهضة حقيقيًّا وليس نوع «المضروب» الذى خاض به مرسى انتخابات الرئاسة، نعم استردت مصر سيناء من إسرائيل حتى المتر الأخير، لكن النظام السابق اكتفى منها بجزر معزولة فى شكل منتجعات سياحية فى الشطر الجنوبى منها، وسلم باقى سيناء للجماعات الإرهابية، وتعامل مع أهل سيناء من منطلق أمنى بحت.