بغض النظر عن الطائفيين الذين يضعون مصلحة جماعتهم فوق كل مصلحة، فإن كل مصرية ومصرى آخر عبروا عن آرائهم فى قضية اختطاف مجندين مصريين فى سيناء كانوا يفعلون ذلك انطلاقا من شعورهم الوطنى. نصيب أو نخطئ فى تقديراتنا إنما نجتمع على الظن فى أنها لصالح الوطن الذى نعيش فيه.
لكن المسار الذى اتخذه الموضوع، هذا الغموض الذى لا يتناسب مع حجم اهتمام الناس، وهذه النهاية السخيفة، يعنى أن القضية لم تنته. يعنى أن المجندين الغلابة سيدفعون ثمن غضب كل شخص مقموص أو له مصلحة، بداية من مواطن له بعض العزوة، إلى حماس، إلى تنظيم الإخوان المسلمين وحلفائه الإرهابيين، إلى مؤسسة الرئاسة التابعة لنفس التنظيم، إلى الجيش نفسه.
هذه النهاية سخيفة، لأنها لا تغلق ملف الأسئلة التى يجب أن يجيب عنها عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، بسبب دوره السياسى، وليس بسبب موقعه العسكرى. الجيوش فى العالم منفذة للقرار السياسى وليست متخذة له. هذا صحيح. فى الحالة المصرية فإن القرار السياسى الخاص بها محصور فى مجلس قيادتها الذاتى. والمؤسسة مسؤولة عن أمن الحدود، هذا هو الأمر الواقع.
وهو أمر واقع فيه خلل، يعكس الخلل الموجود فى بنية الدولة المصرية ذاتها. كيف؟
لو كنا فى ظروف أخرى لاستخدمْنا الحدث من أجل الإصلاح والتقويم. هكذا تصلح الأمم نفسها وتصير أمما قويمة. لكننا لسنا فى ظروف طبيعية. نحن مواطنون رهائن فى صراع بين قُوى لا تفكر فينا إلا ثمنا لمساومة. نحن مواطنون لم نعد نملك الحد الأدنى من مقومات الحياة فى القرن الواحد والعشرين، بينما يحكمنا تنظيم يتحدث عن «خير أمة»، وعن «أستاذية العالم». ويريد أن يبدأ طريق ابتزاز العالم من خلال ابتزازنا نحن.
ثم مؤسسة عسكرية لا يبدو أنها تدرك ما يدركه كل مواطن فى مصر، أن الحدود بهذا الشكل لم تعد حدودا. أن حماس صارت امتدادا للواقع المصرى، امتدادا للتنظيم الذى يحكم مصر، وصارت الحدود شريطا بين فكى كماشة. يعضون عليها كلما أحبوا أن يؤلمونا استعدادا لمساومة جديدة. ثم إنها لا تدرك ما يدركه كل مواطن يتابع الأحداث فى العالم من حوله. لقد صارت مصر مطية للخاطفين، ثلاث حوادث اختطاف فى سنتين، ليست هذه نسبة قليلة. وأن دم المصريين سيتفرق بين القبائل. يفعل الفعلة من يفعلها ثم نغرق فى التخمينات.
ثم جمهور ليس له بوصلة أخلاقية يمكن التفاهم معه بشأنها. فهو يظن أن الجيش دائما على حق، أو المرشد دائما على حق. ونحن تائهون بين هؤلاء وهؤلاء. والنتيجة أن المنطق العشائرى ينتصر على المنطق القانونى. وأنه لم تعد هناك دولة لكى يكون لها هيبة، فهيبة الدولة فى احترامها للقانون، وليس فى قدرتها على التخويف. لقد تحرر الجنود المخطوفون، لكن القانون لم ينتصر، والدولة لم تنل هيبتها، والجيش لم يبادل تعاطف الناس بمشاركتهم فى الحقائق، والرئاسة طبعا مشغولة بأصدقاء تنظيم الإخوان من الإرهابيين أكثر مما هى مشغولة بنا. وبأمن الخاطفين أكثر من أمن المخطوفين المحتملين من المواطنين.
أليست هذه النهاية جديرة بأن توصف بأنها سخيفة.
شوف يا سيادة الفريق، شوف يا كل مسؤول فى مصر، الموضوع بسيط. العملية دى عملية ناجحة، وأنت مسيطر، لما تجيبوا الخاطفين تحاكموهم. غير كده، إحنا بطلنا نشترى الترماى، غير كده يبقى إنتو رضختوا لشروط الخاطفين. واللى نجح هو عملية الاختطاف مش عملية تحرير الرهائن. عايزين أسماء الخاطفين وعايزين يتقدموا لمحاكمة عادلة.. بلاش كلام فاضى!