أنهت القوات المسلحة أزمة اختطاف سبعة من الجنود المصريين بعد أن قامت بعملية «تحرير» دقيقة للرهائن، وحتى لا يبدو استخدام مصطلح «التحرير» مبالَغةً أو محاولة لإضفاء بطولة وهمية على دور القوات المسلحة، فمن المعروف فى الفكر الاستراتيجى المعاصر أنه ليس من الضرورى أن تنتهى الحروب أو العمليات النوعية باشتباك مسلح لتحقيق المهمة، فليس الهدف الحقيقى هو البحث عن معركة بالسلاح، بل بناء وضع استراتيجى ملائم يحقق الهدف دون اشتباك، وفى حالة الاضطرار إليه يكون النصر محسومًا.
لا تستطيع الجيوش القيام بعمليات عسكرية فى إطار شرعى دونَ ما يلى:
أولًا: القَبول والرضا الشعبى بالمهمة التى نِيطَت بها.
ثانيًا: وجود غطاء قانونى وأخلاقى للعملية.
ثالثًا: تحقيق المصلحة الوطنية للدولة.
رابعًا: حماية الكبرياء الوطنية لأفراد الشعب.
خامسًا: الحفاظ على هيبة الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية.
ولقد توفرت العناصر السابقة كافةً قبل بدء العملية العسكرية فى سيناء ضد العناصر الإرهابية.
هنا يطرح السؤال نفسه حول قوة هذه التنظيمات التى أدت إلى هذه التصرفات الإجرامية والمطالب الخرقاء.
الحقيقة أنهم يمتلكون أسلحة متقدمة فى الاستخدام الفردى ضد المدرعات والطائرات، ففى مواجهة الدبابات والعربات المدرعة، لديهم «الآر بى جى»، وفى مواجهة الطائرات لديهم صواريخ الاستيريلَّا «سام 7» التى تطلق من فوق الكتف، بالإضافة إلى رشاشات النصف بوصة وبالطبع الأسلحة الصغيرة على تنوُّعها، وقد استطاعوا الحصول على هذه الأسلحة فى أثناء الثورة الليبية بعد تهريبها عبر الحدود بواسطة شبكات إرهابية إقليمية وعناصر المتاجرة بالسلاح.
السؤال الثانى نفسه: كيف أدارت القوات المسلحة هذه المعركة النظيفة فى مواجهة قوة غير تقليدية فى ما أصبح يُسَمَّى بـ«الحرب اللا متوازية» التى تخصّ الصراع بين عناصر نظامية وأخرى غير نظامية؟
الإجابة عن هذا التساؤل أن القوات المسلحة أسست خطتها بمفهوم يُعرَف فى مجال الاستراتيجية العسكرية بـ«الاقتراب غير المباشر»، لهذا يمكن القول إن الخطة الواقعية على الأرض للقوات المسلحة تأسست على مرحلتين، كانت المرحلة الأولى:
1- توفير معلومات دقيقة مستمرة ومتجددة عن الخاطفين وأماكنهم وتحركاتهم.
2- الدراسة والإعداد الجيدَين لمسرح العمليات.
3- دراسة إمكانيات الخاطفين وتقييم قدراتهم العملية.
أما المرحلة الثانية فقد تم تنفيذها كالآتى:
1- استخدام كل الإمكانيات اللازمة أمام تنظيم مستعدّ للاشتباك.
2- الحصار الكامل لموقع الخاطفين بعد تحديده تحديدًا دقيقًا، وكان مصرع أحد الإرهابيين والقبض على 3 فى منطقة الجورة فى اليوم السابق ومصادرة 8 عربات تخصهم جزءًا من إحكام الحصار تمامًا على الخاطفين وتوصيل رسالة إليهم بجدية ما تقوم به القوات المسلحة، وأنهم أصبحوا فى حالة ميئوس منها.
3- النجاح فى عزل الخاطفين عزلًا تامًّا عن محيطهم العامّ والخاصّ وقطع كل وسائل الدعم اللوجيستى عنهم والدخول على شبكة اتصالاتهم واستخدام الحرب الإلكترونية للتشويش.
4- تمكنت القوات المسلحة من إدارة حملة حرب نفسية نجحت فى تحقيق الانهيار النفسى لعناصر هذا التنظيم، مما سهل بعد التدمير المعنوى تحاشى التدمير المادى.
5- استعانت عناصر المخابرات الحربية التى أدارت الجانب المعلوماتى والاستطلاع والتخابر، بشيوخ القبائل لتحقيق الاتصال المباشر بمشاركة عناصر عسكرية ميدانية من القوة المشاركة فى العملية، وأخرى مخابراتية، هكذا يمكن القول إن القيادة العسكرية نجحت نجاحًا منقطع النظير فى ما فشلت فيه فشلًا ذريعًا تيارات الإسلام السياسى، وإنهم استعادوا هيبة الدولة مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليس من المستبعَد أن التحرير تم فى إطار من المقايضة يوفر أحكامًا مخففة مثلًا للخاطفين أو عدم ملاحقتهم، ويبقى أن الأهم بعد هذه النهاية هو استكمال عمليات استئصال الإرهاب من سيناء، وهدم الأنفاق كافةً، والسيطرة الصارمة على الحدود.