عرض فى مسابقة «نظرة خاصة»، وهى مسابقة أخرى للأفلام الطويلة فى مهرجان كان إلى جانب المسابقة الرئيسية، الفيلم الفلسطينى الروائى «عمر» إخراج هانى أبو أسعد
هذا هو الفيلم السابع للمخرج الفلسطينى الذى ولد فى الناصرة عام 1961، أى أنه من الذين نطلق عليهم عرب إسرائيل أو عرب 1948، وكأن العرب هم الذين جاءوا إلى فلسطين عام 1948، بينما الصحيح أن اليهود هم الذين جاءوا إلى فلسطين ذلك العام، وقاموا بإنشاء دولة إسرائيل على أرضها.
أخرج هانى أبوأسعد أربعة أفلام روائية طويلة قبل «عمر»، كان أولها عام 1998، وفيلمين تسجيليين عامى 2000 و2002، واختير فيلمه الروائى الطويل الثانى «زواج رنا» للعرض فى أسبوع النقاد فى مهرجان كان 2002، وحقق فيلمه الروائى الطويل الثالث «الجنة الآن» نجاحاً دولياً كبيراً عندما اختير للعرض فى مسابقة مهرجان برلين 2005، وفاز بجائزة الملاك الأزرق لأحسن فيلم أوروبى، ثم أصبح أول فيلم لمخرج عربى يفوز بجائزة «جولدن جلوب» الأمريكية لأحسن فيلم أجنبى عام 2006، وأول فيلم لمخرج عربى يرشح لأوسكار أحسن فيلم أجنبى فى العام نفسه.
يعبر «عمر» عن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وليس من الغريب أن يكون هذا الصراع موضوع أغلب وأهم أفلام المخرجين الفلسطينيين، فكيف لفنان يمارس أى فن من الفنون ينتمى إلى الشعب الفلسطينى، ويعبر عن موضوع آخر بعد أن تعرض هذا الشعب، ولايزال، منذ مائة سنة ويزيد لمحاولات الحركة الصهيونية السياسية إنكار وجوده ومحو ثقافته، ثم إقامة دولة على جزء من أرضه منذ 65 سنة.
لكن الشعب الفلسطينى قاوم، ولايزال يقاوم، من أجل إقامة دولته المستقلة على أرضه، والمقاومة ليست فقط بالسلاح، وإنما أيضاً بالسياسة والشعر والقصة والرواية والمسرحية واللوحة والتمثال والأغنية، وكذلك بالأفلام، ومنها «عمر»، الذى تدور أحداثه فى الضفة الغربية أو أراضى السلطة الوطنية الفلسطينية فى الزمن الحاضر، زمن إنتاج الفيلم.
إنها الضفة التى تمثل أقل من ربع أرض فلسطين، والتى احتلتها إسرائيل عام 1967، ولاتزال «محتلة» من منظور كل القوانين والقرارات «الدولية»، وعليها قامت السلطة الوطنية الفلسطينية التى تعترف بها أغلبية دول العالم، ومع ذلك لاتزال «محتلة» عملياً. ويوضح فيلم «عمر» لجمهوره الحقيقة التى لا يدركها أغلب الناس، وهى أن الجدار الفولاذى العازل الذى أقامته إسرائيل لا يفصل بين إسرائيل وفلسطين، وإنما يفصل بين أبناء الشعب الفلسطينى بإقامته داخل القرى والمدن الفلسطينية أيضاً.
الجدار المعوق للحب
يبدأ «عمر» (98 دقيقة)، الذى كتبه مخرجه، بالشاب عمر (آدم بكرى) يتسلق الجدار لكى يلتقى مع صديقى عمره طارق (إياد حورانى) وأمجد (سمير بشارة)، ومع نادية (ليم لوباني) شقيقة طارق الطالبة التى يتبادل معها الحب. لكنه ما إن يصبح على قمة الجدار ويستعد للنزول من الناحية الأخرى حتى يطلق عليه جنود الاحتلال الرصاص رغم أن الناحية الأخرى ليست إسرائيل، وإنما نفس البلدة التى قسمها الجدار.
يصاب عمر إصابة طفيفة، ويتمكن من اللقاء مع صديقيه ومع حبيبته. وتبدأ أحداث الفيلم مع مشهد يقوم فيه طارق بتدريب عمر وأمجد على إطلاق النار، ويقول لهما فى نهاية المشهد «نحن جاهزون يا شباب». وفى مشهد آخر على الطريق الرئيسى خارج البلدة تقوم دورية من جنود الاحتلال بإذلال عمر عندما يأمرونه تحت تهديد السلاح بالوقوف على صخرة صغيرة رافعاً يديه من دون أى مبرر سوى أنه فلسطينى.
وفى الليل يقوم الأصدقاء الثلاثة برصد مجموعة من جنود الاحتلال على حاجز، ويطلب طارق إطلاق الرصاص، فيتردد عمر ولا يتردد أمجد ويصوب نحو أحد الجنود ويقتله. ويبدأ الصراع بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والشبان الثلاثة لمعرفة من الذى قتل الجندى، وإلى أى فصيل سياسى ينتمون، والعمليات الأخرى التى يخططون لها.
تعرف سلطات الاحتلال من قاموا بالعملية، ويعرف الشباب الثلاثة بالطبع أن هناك من أبلغ عنهم من الفلسطينيين المتعاونين مع الاحتلال، ويتوصل طارق إلى الجاسوس ويعذبه ويقتله. وتتم مطاردة عمر والقبض عليه وتعذيبه داخل السجن. وهنا تبدأ دراما قوية كتبها وأخرجها هانى أبوأسعد ببراعة واقتدار عن علاقة القط والفأر بين عمر ورامى (وليد زعيتر)، ضابط المخابرات الإسرائيلى الذى يتولى القضية، ويريد أن يعرف بالضبط من يكون قاتل الجندى.
الاحتلال المدمر للقيم
يدبر رامى للإيحاء بأن عمر أصبح متعاوناً، فيتعرض للتعذيب على أيدى الفلسطينيين كما حدث له على أيدى الإسرائيليين، وفى الوقت نفسه يكون قد نجح فى تحويل أمجد إلى متعاون حتى يصل إلى طارق، ويقوم أمجد بإبلاغ عمر بأن هناك علاقة بينه وبين نادية، وأنها حامل منه. ومرة أخرى يلتقى الثلاثة، وعندما يعرف طارق أن أخته حامل من أمجد يشتبك معه، فيطلق عليه أمجد الرصاص ويقتله. وحباً فى نادية يقوم عمر بمنح أمجد المال الذى ادخره من عمله كفران فى مخبز ليتزوجها تجنباً للفضيحة.
وبقدر ما يدين الفيلم الجدار الذى يعوق الحب، بقدر ما يدين الاحتلال، ليس فقط لأنه عدوان وقهر باستخدام القوة المسلحة، وإنما أيضاً لأنه يؤدى إلى تدمير القيم الإنسانية، وتحويل الحياة إلى جحيم من الشكوك المتبادلة بين الطرفين المتصارعين، وكذلك بين أفراد الشعب الذى يعانى من الاحتلال ويقاومه.
ثلاث نهايات
ورغم القوة الدرامية فى التعبير عن العلاقة بين عمر ورامى، ونجاح آدم بكرى فى أداء شخصية عمر المركبة، وتمكنه من الصمود أمام ممثل متميز على أعلى المستويات العالمية وهو وليد زعيتر، ورغم أن الفيلم يبدو، فى بعض الأحيان، أقرب إلى الميلودراما الصارخة، إلا أن المشكلة الحقيقية وجود ثلاث نهايات فى ربع الساعة الأخيرة من عرضه أو نحوها، وهى مشكلة درامية وسياسية فى آن واحد.
النهاية الأولى جنازة طارق التى يشترك فيها عمر وأمجد، وتعنى استمرار الكفاح طالما أن هناك شهداء، ولو كان القاتل الفلسطينى أمجد، فالقاتل الحقيقى هو الإسرائيلى رامى، وما كان أمجد سوى أداته فى قتل طارق. لكن الفيلم ينتقل بعد عامين لنرى سلطات المقاومة تفتح التحقيق من جديد لتعرف من قتل طارق. وكما بدأ الفيلم وعمر يتسلق الجدار، نراه مرة أخرى يتسلقه لكنه لا يستطيع الوصول إلى قمته، ويظل معلقاً بين السماء والأرض. وإذا كانت النهاية الأولى نمطية، فإن هذه النهاية الثانية نموذجية على شتى المستويات. إنها نهاية بلغة السينما تغلق الدائرة لصراع يبدو من دون نهاية، وآن له أن ينتهى، لكنها نهاية مفتوحة على الاحتمالين.
أما النهاية الثالثة، أو نهاية الفيلم الحقيقية، التى اختارها كاتبه ومخرجه، فهى اكتشاف عمر أن نادية لم تكن حاملاً، وأنها كانت حيلة من تدبير رامى عندما تمكن من السيطرة على أمجد، وأراد الوصول إلى طارق. وعندما يعود رامى ويسأل عمر من قتل الجندى، يقول له سوف أخبرك مقابل أن تمنحنى مسدساً. وبالفعل يمنحه رامى المسدس، وهنا يطلق عمر عليه الرصاص ويقتله. وهذه نهاية تعنى أن العنف مستمر طالما ظل الاحتلال قائماً.