1-
«أصلهم خلّوه 15 يوم بس.. ربك عالم بالحال».. قالها صديقي الذي تم اختياره لأداء الخدمة العسكرية مجندًا وهو يتحدث عن معسكر التدريب الذي تم تخفيضه من 45 يومًا إلى 15 يومًا.
قالها متهللًا واستقبلتها مستغربًا، فأنا أعرف تمامًا أنه لم يمسك سلاحًا في حياته التي قضاها مُرفهًا لا يعرف شيئًا عن المسؤولية والالتزام، وسألت نفسي: هل 15 يومًا كافية ليتعلم شخص فنون القتال اللازمة لأداء دوره في حماية الوطن؟.
جاء الرد أسرع مما كنت أتصور، فبعدها بأيام وقع حادث رفح الذي استشهد فيه 16 ضابطًا وجنديًا وأصيب آخرون في نقطة حدودية بالقرب من معبر كرم أبو سالم. حزنت كثيرًا على الأرواح البريئة التي أُزهقت، لكن مصدر حزني الأكبر كان أنهم ماتوا دون أن يُلحقوا أي أذى بمهاجميهم.
لم يكن وقتها من الإنسانية أن تطرح تساؤلات من نوعية: كيف فقد هؤلاء أوراحهم على يد من هم أقل منهم عددًا وعتادًا؟ كيف ينشغل هؤلاء جميعًا «ضباط ومجندون» بتناول الإفطار وكأنهم في مائدة رحمن لا في البقعة الأخطر أمنيا على أرض مصر؟ لماذا ينتمي جميع الضحايا إلى أسر فقيرة ويسكنون في قرى معدمة؟ هل سيُحاسب المسؤول عن تدريب ومراقبة هؤلاء الشهداء لتقصيره في عمله أم ستُسند إليه عملية صرف التعويضات لذويهم؟.
الآن لم يعد كافيا طرح أسئلة كهذه، بل يجب الوصول إلى إجابات قاطعة لها.
2-
س: ما هي أول خطوات حماية الوطن؟.
ج: أن تحمي نفسك.
3-
186 رجل شرطة استشهدوا منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن.
هكذا تفاخر وزير الداخلية الحالي محمد إبراهيم بدور الشرطة في الثورة وما بعدها، وكأن أفضل شيء يمكن أن تقدمه لحفظ الأمن في مصر هو أن تموت من أجل ذلك!.
زيادة أعداد الشهداء وإن كانت تدل على الإخلاص في الغاية إلا أنها أيضا تشير إلى أزمة عميقة في الوسائل، ضابط الشرطة موجود ليحمي الوطن ويحافظ على حياته، وتُقاس كفاءة جهاز الشرطة بقدرة أعضائه على أداء المهمتين معًا، وبالتالي فإن فرد الشرطة إذا لم يجتهد في حماية الوطن يكون قد قصّر في أحد واجباته، وإذا لم يجتهد في حماية نفسه يكون قصر في أداء الواجبين.
تبرر وزارة الداخلية زيادة عدد شهداء الشرطة بزيادة عدد الخارجين على القانون وزيادة الأسلحة في الشارع، وربما تريد أن يذّكرها أحد بأن الشرطة ليست موجودة في الأساس للتعامل مع المواطنين الصالحين، لكن مبرر وجودها الأساس مكافحة الجريمة ومواجهة المجرمين، والمجرمون على حد علمي يحملون الأسلحة دائمًا!.
وراء كل ضابط شهيد لواء مقصّر.
لكننا في خضم تعاطفنا مع الشهيد، تُعيقنا الدموع عن رؤية الحقائق، ويمنعنا الإحراج من المطالبة بالمحاسبة، فيتوالى سقوط الشهداء وتتجدد الدموع.
4-
هو حادث كألف.
يمكنك أن تعرف مستوى عناصر الأمن عندنا بمجرد أن تقرأ تفاصيل هذا الحادث الذي وقع مساء الأربعاء 15 مايو الماضي، حيث لقي عامل مصرعه وأصيب 6 آخرون بينهم ضابط وأمين شرطة ومجند، في مطاردة مع أفراد تشكيل عصابي بمدينة العاشر من رمضان داخل محطة وقود بالمنطقة الصناعية الثالثة.
بمجرد أن تقرأ الخبر الذي يتحدث عن إصابة 3 شرطيين تفترض أن يكون القتيل والثلاثة المصابون الآخرون ضمن أفراد العصابة التي كانت الشرطة تطاردها، لكن المفاجأة أن هؤلاء عمالًا تصادف مرورهم في مكان الاشتباك، وبالتالي فالحصيلة 3 شرطيين أصيبوا برصاص العصابة، وثلاثة أصيبوا بالخطأ، وآخر قُتل بالخطأ، أما العصابة نفسها فنجحت في الفرار آمنة غانمة.
5-
الغالبية الساحقة من الضباط المجندين لا يجيدون استخدام السلاح على الوجه الأمثل، وكثيرون من هذه الفئة التي من المفترض أن تكون الأقدر على حمل السلاح أساءوا استخدامه فآذوا غيرهم أو آذوا أنفسهم.
ابحث في «جوجل» بهذا الكلمات لتتأكد من حجم المأساة بنفسك «مجند يقتل نفسه بالخطأ. ضابط يقتل زميله بالخطأ. يصيب نفسه بالخطأ أثناء تنظيف سلاحه»، ثم راجع حادثة مقتل الطفل بائع البطاطا بالقرب من ميدان التحرير على يد مجند قيل إنه كان ينظف سلاحه، وراجع تصريحات الضباط المتهمين بقتل مواطنين أو مشتبه بهم في الأكمنة لترى أنه كان يحاول تخويف المشتبه به أو إصابته في قدمه لكنه أصابه في مكان قاتل.
الأزمة أن القيادات عندنا يهمها الكم دون الكيف، يهتمون برص المئات من جنود الأمن المركزي في المظاهرات وفي الأكمنة وعلى الحدود دون أن يكون هؤلاء مؤهلين أساسًا لاستخدام السلاح أو قادرين على التعامل مع أي موقف طارئ.
6-
إنما الأمن المركزي والحدود للفقراء والمستضعفين والضعيفة ظهورهم.
يأتون بهم من الحقول ليضعونهم إما بالأمن المركزي في مواجهة المتظاهرين، أو على الحدود في مواجهة الإرهابيين، لا هم يتدربون، ولا على مقابل مناسب يحصلون، ولا هم كبشر يُعاملون.
طالع صور الضحايا في كل حادث يتعرض له هؤلاء لترى البؤس في ملامحهم، ثم طالع محال إقامتهم لتعرف أن جميعهم في الهم سواء.
الأمر أقرب إلى السخرة منه إلى خدمة الوطن.