تختلط مشاعر الحكومة الإسرائيلية تجاه ما يحدث فى مصر وسيناء هذه الأيام، فمن ناحية تبدو الحكومة الإسرائيلية غاية فى السعادة من عملية خطف الجنود المصريين على يد جماعات مسلحة، فهى تشعر بسعادة غامرة، لأن جنود أقوى دولة عربية باتوا أسرى على أراضيهم، الجنود الذين أذاقوا إسرائيل مرارة الهزيمة فى أكتوبر ١٩٧٣ قبل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فى الحرب مباشرة. والمؤكد أيضا أن الحكومة الإسرائيلية تشعر بسعادة بالغة مما يثار فى وسائل الإعلام عن خلافات بين الرئيس والمؤسسة العسكرية حول قضايا عديدة منها ملف خطف الجنود وطريقة التعامل معه. لكن فى الوقت نفسه لا تنظر إسرائيل بارتياح إلى سيطرة جماعات أصولية متطرفة على شمال سيناء، فهذه الجماعات لا تتبع دولة ولا تعترف بالدول وحدودها، كما أن حساباتها تختلف عن حسابات الدول فى الفعل ورد الفعل، ومن ثم تخشى إسرائيل من تمكن هذه الجماعات من فرض سيطرتها الكاملة على منطقة شمال سيناء، ومن ثم تقوم بعدها باستهداف إسرائيل. فى نفس الوقت تسعى إسرائيل إلى استغلال الوضع الراهن فى شبه جزيرة سيناء من أجل فرض مزيد من قيود على سيادة مصر على هذا الجزء من الوطن، فوسائل الإعلام الإسرائيلية وامتداداتها الغربية تروج لمقولة إن مصر فقدت سيطرتها على شمال سيناء، وهناك من ذهب إلى القول بأن «جبل الحلال» حيث تتركز الجماعات المسلحة، بات أشبه بجبال «تورا بورا» فى أفغانستان والتى كانت معقلا لتنظيم القاعدة. وتعتمد إسرائيل على تقديرات لأجهزة استخباراتية غربية فى التأكيد على فقدان مصر سيطرتها على شمال سيناء، فهناك تقديرات منشورة للمخابرات الألمانية تقول بأن مصر محمد مرسى باتت قبلة للسلفيين فى العالم، وأكدت أن عناصر سلفية جهادية ألمانية من أصول تركية بدأت تتدفق على مصر، ومن يتابع الحركة فى مطار القاهرة سوف يلاحظ تنوع أشكال وجنسيات عناصر سلفية تصل إلى مصر بانتظام، ومنها من يتوجه مباشرة إلى شمال سيناء.
ولا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل التى انسحبت من سيناء بموجب معاهدة السلام الموقعة بين البلدين فى مارس ١٩٧٩، لم تتخل بعد عن حلم السيطرة على سيناء من جديد، فسيناء التى تبلغ مساحتها ٦٤ ألف كيلومتر مربع أو ما يزيد مرتين ونصف على مساحة فلسطين التاريخية، تحتل موقعا مميزا فى الذاكرة التاريخية اليهودية، فعلى جبالها تسلم موسى النبىُّ لَوْحَى الشريعة، وعلى أرضها تاه اليهود أربعين سنة، وفى دروبها المختلفة كانت لهم ذكريات. أما على المستوى المادى والاستراتيجى فلإسرائيل أطماع قديمة فى سيناء جعلت وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشيه دايان يرد، تعليقا على وساطة دولية تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من سيناء مقابل توقيع معاهدة سلام مع مصر تعترف الأخيرة فيها بإسرائيل، بالقول «الاحتفاظ بشرم الشيخ دون سلام مع مصر، أهم من معاهدة سلام مع مصر دون شرم الشيخ». إذن إسرائيل لم تسقط سيناء من حساباتها بعد، ويكفى أن نذكر أن مناحم بيجن قرر اعتزال الحياة السياسية بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر، ذهب بعيدا فى عزلة شديدة وأصيب بحالة اكتئاب لازمته حتى وفاته، وذلك حزنا على إعادة سيناء إلى مصر.
فى تقديرى أن إسرائيل تسعى إلى استغلال المشهد الراهن فى سيناء من أجل الترويج عالميا للقول بأن مصر تفقد سيطرتها على سيناء، وأن المنطقة باتت مرتعا للجماعات الإرهابية المتشددة، وأن هذه الجماعات تنقل نشاطها ومركزها من اليمن وأفغانستان إلى سيناء، وهنا تبدأ فى الدعوة إلى تدخل عسكرى دولى على غرار ما جرى فى أفغانستان، وهى عملية لو تحققت فسوف تكون أول خطوة على طريق حجب سياسة مصر على شبه الجزيرة وربما يحدث تواطؤ دولى على إعادة تقسيم المنطقة من جديد كبديل لمشروع تبادل الأراضى والذى يجرى فى إطاره إنهاء القضية الفلسطينية على حساب جزء من أرض فلسطين. الوضع فى سيناء أكثر تعقيدا من مجرد قيام جماعات متشددة بخطف سبعة جنود، الوضع يتعلق بمصير سيناء كجزء من أرض الوطن يجرى تقييد سيادة البلد عليه تمهيدا لسلخه أو تقسيمه كغنيمة بين فرقاء اختلفت منطلقاتهم الفكرية، الأيديولوجية والسياسية والتقوا جميعا كذئاب لنهش جزء من جسد الوطن.