يقاوم النظام الحالى حملة «تمرُّد» وما يشبهها من أفكار بحملة أكثر فاعلية اسمها «تمرقُد» تقوم على أن النظام يستغل كل فرصة ممكنة علشان «يرقُد» فى كل مكان ممكن من الدولة (شاهدنا مؤخرا رأس النظام شخصيا وهو راقد فى غيط القمح).
ومصطلح (يرقد) من مصطلحات علم (مطاريد الجبل) الذين يقضون أغلب أوقاتهم فى الكهوف وفى أقرب فرصة للنزول على إحدى مناطق الحضر ينزلون بالتدريج، وهذا التدريج يقوم على (الرقود) فى مزارع الذرة أو القصب ثم يظهرون واحدة واحدة حتى يتمكنوا من المنطقة بأسرها.
النظام الحالى يرقد للشعب بالطريقة نفسها، و«التمرقد» له أكثر من سبب، الأول هو شعور النظام الحالى بأن امتلاكه ناصية الحكم فى مصر به رعشة واضحة نتيجة شعور ما بداخله أن هناك مَن هو أفضل منه للقيام بهذه المهمة، وعلى الطريقة المصرية الأصيلة التى عشناها عشرات السنوات يتم إقصاء الأفضل لصالح المضمون، لذلك يتسلل بهدوء داخل المؤسسات ويرقد فى كل مفاصل الدولة قدر استطاعته حتى ينتصر فى معركة إثبات الوجود بالتخلص من كل ما قد يعرقل المسار الطبيعى لقراراته، وما الذى قد يعرقل المسار الطبيعى لقراراته؟ مجرد ناس بتفهم قادرة على الوقوف فى وجه القرارات ورفضها لأنها ببساطة معيبة.
من هنا يظهر السبب الثانى لـ«التمرقد» وهو الشعور بالاضطهاد، وهو شعور أصيل فى الشبكة العصبية للنظام. لماذا يشعر النظام بالاضطهاد؟ لأنه يشعر بالنفور يطارده من كل جانب، وهو نفور ربانى ناتج عن شعور الأكثرية بالغُربة فى ظل هذا النظام الحاكم، وشعورهم العام بأن ما يعيشونه حاليا هو فترة مؤقتة، الكل يؤجل قرارات حاسمة وخطوات كبيرة ومبررة «لما نشوف الناس دى آخرها إيه»، الأكثرية تشعر أنه من الطبيعى أن لا يستمر الوضع على هذه الطريقة كثيرا، من هنا يأتى النفور، وتفشل بضراوة معظم محاولات التعامل بموضوعية من النظام وطريقته وأشخاصه، وصاروا مَن يلوون عنق الحقائق ليبدوا موضوعيين مادة للسخرية (أنا مش إخوان بس باحترمهم)، بل إن الأكثرية قد تحترم تمسك شخص ما بأنه إخوان وتصمت إزاء حرية اختياره لكنها لا ترحم أبدا المتأخونين أو ممسكى العصا من المنتصف، تتفهم أن تكون هناك محطة تليفزيونية كاملة تخدم فكر النظام لكنها تسلخ من «يحكّ» فى النظام ويحاول أن يبدو كأنه ابن النظام الإسلامى من زمان بس ماكنتش باقول على النّت.
الحقيقة أنه لا أحد يضطهد النظام، لكن هناك كثيرين يقاومونه، والفرق كبير بين الاضطهاد والمقاومة، فأنا لن أضطهد سائق الأوتوبيس حتى أشوّش عليه فيدخل بى فى حائط فنموت معًا، لكن وأنا أرى أننا نقترب من الدخول فى الحائط سأقاوم سائق الأوتوبيس بكل ما أملك مرة بالتنبيه ومرة بالتلقيح ومرة بالصراخ فإن لم يستجب فمن حقى أن أزيحه عن مقعد القيادة حتى لو كان أول سواق مدنى منتخَب. لبانة الشرعية فى هذا الموضع أشبه بشخص دخل محل «التابعى» ودفع حق ساندوتشين فول ثم وجد صانع الساندوتشات يربِّى فأرا فى مطبخه فلما عاد إلى الخزينة يطلب استرداد أمواله قالوا له «البون خلاص اتضرب»، «التابعى» فى هذه اللحظة يعبد ماكينة الكاشير التى لا تعيد أموالا وليذهب مَن جعلوا منه مطعما كبيرا إلى الجحيم.. مع الاعتذار للشبراوى.
حركة «تمرقد» تشقّ طريقها منذ زمن فى انتظار لحظة انتصار بالضربة القاضية، قد «ترقد» إلى أن تنجح لو كانت الناس غافلة، لكن لو كانت الناس واعية بما سيحدث فإنك قد «ترقد» ويطول بك الوقت فتبتدى «تبيض»، وهذا ما يحدث الآن.