(1)
تعتقدون المشكلة أن الجنود خطفوا.. وأعتقد أن المشكلة أنكم لا ترون الجنود إلا إذا خطفوا.
(2)
أمام حديقة الحيوان ترى بشرًا في أقفاص.
صفوف طويلة من سيارات الأمن المركزي محشور بداخلها آلاف الجنود بينما في حديقة الأورمان المجاورة يجلس السادة الضباط بالكافيتريا.
تمر الساعات.. وهم ينظرون من خلف الشباك الحديدي لسيارة الأمن المركزي لشباب في نفس عمرهم يسيرون مع أصدقائهم أمام جامعة القاهرة.
اختطف سبعة من بينهم محمد عبد العزيز محمد (21 سنة) أحد أفراد قوات الأمن المركزي المتمركزة بمنطقة الأحراش برفح خلال نزوله لقضاء إجازته الشهرية.. واختطف عشرات الآلاف لثلاثة أعوام من عمرهم في معسكرات الأمن المركزي لأنهم ريفيون فقراء.
تقول جنود الأمن المركزي يخطفون لسبب لا تعرفه.. وأقول جنود الأمن المركزي يجندون أصلا لسبب لا أعرفه.
(3)
«قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ»
(4)
يسير الشاب عضو جماعة الإخوان بجوار سيارات الأمن المركزى وهو يتأمل الجنود بشفقة.. يشعر ببغض لدولة ظالمة تقدم الأمن السياسي على حساب الجنائي.. يتطلع إلى الريفيين الغلابة الذين اختطفتهم دولة استبدادية لسنوات، ويُحسبن على نخبة حاكمة معزولة عن الشعب لا تهتم بفتاة تغتصب أو سيارة تسرق، ولكن كل ما يهمها أن تحشد غلابة لحماية نظامها.
يتساءل لماذا لا يتم تدريبهم قتاليا بشكل حقيقي.. لماذا لا تعلمهم دولة حبستهم في معسكرات الأمن المركزي لسنوات.. لماذا لا تستغل طاقتهم في مشروعات خدمة عامة بدلا من حشرهم في سيارات الأمن المركزي لمواجهة مظاهرات المعارضة.
هذا المشهد حدث منذ سنتين ونصف.. الآن هو يسير بجوار سيارات الأمن المركزي ولا تلفت انتباهه مطلقًا.. هو الآن يعلم أن لهم أهمية كبرى.
(5)
«وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ»
(6)
يجلس في لقاء إيماني في منزل أخيه في الله..
يقرأون القرآن ويؤكدون لبعضهم أن الملائكة تحفهم.. يبتسمون لبعضهم في ود.. ثم تبدأ فقرة الخواطر فيتحدثون عن أن لكل دعوة ربانية معاندين يريدون أن يُطفئوا نور الله بأفواههم.
يغمزون بنت حمدين صباحي.. يلمزون تويتر مان.. يسخرون من أبوالفتوح الذي فشل ككل من يخرج من الجماعة.. ثم يؤكدون لبعضهم أن مصر ستحقق الاكتفاء الذاتي من القمح، ويرددون أن محور قناة السويس سيُدر أنهارًا من العسل واللبن.
ينتهي اللقاء الذي كان ملخصه «إحنا أحسن منهم بكتير وربنا».. وينطلقون في الأرض.
في الخارج.. يحدثه من في قلبه مرض عن جنود خُطفوا في سيناء.. ويحدثه من في قلبه غرض عن عشرات الآلاف يُخطفون في معسكرات الأمن المركزي .. في حين يشكو المخدوعون بالإعلام الفاسد من غلاء وكهرباء تقطع وطوابير سولار.
يبدو الأخ مذهولًا.. كيف لا ترون كل الإنجازات التي يتحدث عنها الإخوة ليل نهار؟
ياليت قومي يعلمون ما يعلمه التنظيم..
(7)
«وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ»
(8)
صديقي عضو بالإخوان والده رجل أعمال، وقريبه وزير وهو خريج جامعة خاصة، لكنه يقترب مني ويقول:
ــ هل تعلم خطر النخبة العفنة القذرة المعزولة.. هم معزولون تمامًا عن الشعب ويهتمون بمشاكلهم وليس بمشاكل الشعب.. ألا تتفق معي؟
ــ أرى أنهم يتجهون بسرعة ليكونوا النخبة المعزولة.
يفترض أن إجابتي تُرضيه.. فلماذا نظر لي بريبة؟
(9)
«وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ».
(10)
الأمن المركزي أنشئ بعد انتفاضة 1977 لمواجهة الانتفاضات الشعبية ووصل عدد قواته إلى ما يزيد على ربع مليون.
جنود الأمن المركزي سقط منهم 60 شهيدًا وأحيل 1236 للمحاكمة في فبراير 1986 خلال قمع محاولتهم للخلاص من الاستعباد المنظم.
الثورة لم تغير وضع هؤلاء.. لا المجلس العسكري ولا مرسي.. عشرات الآلاف من المصريين تنتهك آدميتهم لثلاثة أعوام، بينما الملفات التي قرر الإخوان الاشتباك معها هي الإعلام والقضاء وهي معارك النخبة الحاكمة للتمكين لسلطتها التنفيذية على حساب السلطة القضائية ورقابة الإعلام.
ليس هناك مواطن مشغول بباسم يوسف أو يسري فودة أو القضاة فوق سن الستين فهي اهتمامات نخبتكم.
عن النخبة الفاسدة المعزولة أحدثكم.. عن التنظيم الحاكم أحدثكم.
الجنود السبعة خطفوا لكنهم ليسوا أول من يخطف.. اكتب على جوجل جملة «يقطعون طريق» وستظهر لك مئات الأخبار عن اختفاء المئات ولا أحد يتحرك لينقذهم حتى يضطر الأهالي لقطع الطريق لإجبار الداخلية على التحرك.
النخبة الحاكمة المعزولة لا تهتم بهؤلاء وداخليتها لا تكلف خاطرها لتدريب الجنود والارتقاء بهم ليكونوا رجال أمن حقيقيين يحمون أمن البشر وليسوا مجرد كائنات محشورة داخل سيارة تنتظر أن تُؤمر بأن تضرب فتطيع.
سرت في طرقات مدينتنا ولم أر هيبة دولة ولا مشروعًا إسلاميًا.. ولكني رأيت جنودًا يتأملوننا بقهر من وراء شباك سيارة الأمن المركزي.
مقال آخر للكاتب يجدر الإشارة إليه: