نفشل مرة وراء مرة، ونبحث عن أسباب الفشل فى كل الاتجاهات، إلا الاتجاه الواحد الصحيح. وعينا.
١-
حملة تمرد ذكرتنا بما يميز «الشباب» عن غيرهم من التيارات التقليدية، الأقوى منهم سلطة ونفوذا. الابتكار والحيوية. الاستعداد للتحرك، بدل الاكتفاء بالجلوس على الكنبة وإطلاق الحكم. صارت الحملة فى كل مكان، ليس بسبب الأرقام فلا نستطيع الحكم على دقتها، بل بسبب ما نشعر به فى الشارع من وجود، وفى السياسة من ترقب.
لكن يبقى أن وعى القائمين عليها يجب أن يدرك الصورة. أن المواطن العادى يعبر فقط عن رفضه لهذا الاحتكار الفاشل للسلطة. لا أكثر ولا أقل. أى تحول فى وعى القائمين عليها إلى «وعى الزعامة»، أى محاولة لتفويض أنفسهم بالحديث باسم الناس، لن يجنوا منه إلا الفشل. هكذا وجب أن نتعلم من الدروس السابقة.
٢-
تؤيدين مبارك. أو على الأقل تعتقدين فى حكمة وصواب وعظمة مقولة عمر سليمان «باط هوين». تعتقدين أن الديمقراطية استدعيت فى مصر قبل الأوان، وتدللين على ذلك بأكثر من دليل. من أول مجىء الإسلامجية إلى الحكم، إلى نقيب الموسيقيين الجديد.
خذى لحظة وراجعى وعيك. حاولى أن تنظرى إلى الموضوع من الجهة المعاكسة. لقد أخذ مبارك فرصة ٣٠ سنة فى الحكم. تقريبا نفس المدة التى قضاها «لى كوان يو» فى حكم سنغافورة. وبنفس السلطات تقريبا. ومبارك أول رئيس لا تمر البلاد فى عهده بحروب. وجاء وقد تحمل سلفه عبء «تفنيش» القضايا العالقة. ودفع حياته ثمنا لهذا.
لا مجال لمقارنة التطور الاقتصادى الذى أحدثه «لى كوان يو» بما فعلته دولة مبارك. لا مجال للمقارنة. لكننى أشير فقط إلى المجال الذى يعنينا مع أصحاب مقولة «باط هوين». المجال الثقافى والفنى والأدبى والتعليمى.
هل كان التعليم، والوعى، يتطوران فى عهد مبارك؟! يا شيخة عينى فى عينك كده! علام كنت تعوِّلين إن امتد الزمن بنظام يوليو؟ على مزيد من التدهور فى الوعى؟ على مزيد من انتشار الفكر المتخلف؟ على مزيد من الشقاق بين دولة مشغولة بنفسها وبين مجتمع يتحكم فيه أئمة متخلفون، وإعلاميون متخلفون، ومدرسون لم يتطوروا كثيرا عن دور شيوخ الكتاتيب؟
ثم إن هذا ينقلنا إلى الفقرة القادمة. توقعتِها أكيد. نعم. نقيب الموسيقيين الجديد.
٣-
لقد عدت إلى مبارك بسبب ما قرأته تعليقا على اختيار مصطفى كامل نقيبا للموسيقيين. أشعرنى ما قرأت بأننا فى أيام مبارك كنا نسبح فى موسيقى موتسارت. والحقيقة أن مصطفى كامل أفضل من يمثل الحال الموسيقية (والثقافية) الحالية فى مصر. كما أن ساكن الاتحادية أفضل من يمثل حالة الوعى بالكون فى مصر.
حالة الخيال المقيد، والأفق الضيق، والاكتفاء من الإبداع الإنسانى العالمى بالسخرية والتحقير والادعاءات. ومرة أخرى، يأتى هذا بعد عقود أخذ فيها «المبدعون» فرصتهم، فما رأينا منهم إلا انهزاما أمام الوعى المتخلف، وإلا «وسطية انتهازية».
إن ما حدث فى ٢٥ يناير أننا خلعنا الأقنعة التى توارينا خلفها زمنا. رأينا وجوهنا القبيحة. وفزعنا. وحتى الآن، حتى الآن، هناك من يظن أن استمرار الأقنعة فوق الوجوه كان سيسمح لها بالالتئام والتجمل!
٤-
كان الأداء السياسى للقوى السياسية بعد ٢٥ يناير ضعيفا. لكن هذا الأداء السياسى الضعيف لم يكن من قبل التيارات الثورية وحدها. إنما الفشل كان أيضا من قيادة الجيش السياسية، الممثلة فى المجلس العسكرى. وكان من أنصار الدولة القديمة، التائهين، الذين تواروا خلف المجلس العسكرى سياسيا، وخلف توفيق عكاشة إعلاميا. والذين وضعوا البرادعى، والتيارات الثورية، عدوا أول.
ليس غرضى هنا استرجاع الماضى. فقد سبق وانتقدت التيارات الثورية مرارا. إنما غرضى هو التأكيد على ما بدأت به المقال. أصل الفشل قصور الوعى. وطالما رأت الإنسانة الكون من وجهة نظرها فقط فلا تقدم. ولا تطور. تدوير الزوايا بين القوى السياسية الوطنية (باستبعاد الطائفيين) لن يحدث من خلال التربص. ولا من خلال «مش قلنا لكم». لأن كل فريق، صدقينى، لديه حجته فى هذا. بل سيحدث من خلال الانتقاد الذاتى من قبل الجميع.
ومن خلال تفهم كل فريق أن الانتقاد الذاتى لا يعنى «الكفر»، ولا يشهد للآخرين بـ«الحق». بل هو مرحلة متقدمة فى الوعى.