كثيرة هى الدروس التى يمكن لنا أن نتعلمها من دول لاتينية، فهناك دروس فى التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دروس فى التنمية الشاملة يمكننا أن نتعلمها من البرازيل والأرجنتين، فمثل هذه الدول تمكنت من الانتقال من نظام سلطوى عسكرى إلى نظام ديمقراطى حقيقى بملامح ونكهة لاتينية، ونجحت هذه الدول فى تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية نقلت دولة كالبرازيل من مصاف الدول المتعثرة التى كانت تعجز عن تقديم ضمانات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولى عام ٢٠٠٢ (كحالة مصر اليوم) إلى دولة دائنة لصندوق النقد الدولى بأربعة عشر مليار دولار عام ٢٠١٠، تنمية شاملة حققتها البرازيل فى السنوات الثمانى التى قضاها لولا دا سيلفا فى السلطة (٢٠٠٢-٢٠١٠) دخلت بموجبها مجموعة «البريكس» أو الدول الأسرع نموا فى العالم. طبعا الإنجاز الذى حققه لولا فى البرازيل ما كان له أن يتحقق دون الجهود التى بذلها من سبقه من رؤساء للبلد فى عقد التسعينيات، فقد بدؤوا عملية الإصلاح الاقتصادى وجاء لولا ليواصل البناء على ما سبق إرساؤه من أسس. نجحت البرازيل فى إجراء مصالحة تاريخية بين الدولة وطبقة رجال الأعمال، وكانت الفئة الأخيرة من المرونة والوطنية بحيث تجاوبت مع مطالب لولا برفع سقف الضرائب لمصلحة فقراء البرازيل من مشردين وقاطنى مدن الصفيح، لولا العامل اليسارى، الديمقراطى الاجتماعى، لم يحمل فى قلبه حقدا على رأسمالية بلاده، بل وظفها لمصلحة النهوض بالوطن، وكانت الرأسمالية البرازيلية واعية بضرورة الأخذ بيد الفئات الضعيفة أو الطبقات الفقيرة فى المجتمع البرازيلى، حصّل لولا المليارات من رجال الأعمال، وجّهها لرفع المستوى المعيشى للفئات الضعيفة، لسكان العشش ومدن الصفيح، للمشردين، اشترط عليهم دمج أبنائهم فى العملية التعليمية، فقد حقق تعليما حديثا متطورا، فدخلت البرازيل على يديه مجالات جديدة، باتت الدولة الأولى فى صناعة الطائرات متوسطة الحجم (الطائرة إمبراير ) أو طائرات رجال الأعمال والتى تعمل على خطوط طيران قارات العالم المختلفة.
تقدم لنا أمريكا اللاتينية نموذجا آخر هو نموذج النخبة السياسية الفاشلة التى ترتمى فى حضن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد على رضا واشنطن فى الاستمرار فى السلطة، لا يهمها رضا شعبه بقدر ما يهمها رضا العم سام، لم تقدم نموذجا تنمويا، بل لم تَسِرْ فى ركْب التطور اللاتينى الذى سارت فى دربه دول لاتينية أخرى كتشيلى والمكسيك، بل سارت كولومبيا فى طريق إضعاف سلطة البلاد المركزية، لم تجر النخبة الكولومبية عملية مصالحة تاريخية، ولم تقدم تجربة فى محاربة الفساد، العنف والجريمة، بل باتت أقاليم كولومبية معقلا لزراعة وتجارة الكوكايين (مدينة ميدلين)، باتت خارجة عن قدرات الدولة، ولديها من القوة ما يمكنها من محاربة الجيش الكولومبى، بل المباردة بالهجوم عليه واختطاف جنوده وفرض الشروط مقابل الإفراج عن الجنود، يضطر النظام فى كولومبيا إلى الدخول فى مفاوضات سرية مع خاطفى جنوده للإفراج عنهم، وللخاطفين وتجار الكوكايين قدرات هائلة تصل إلى اختراق النخبة الحاكمة وتجنيد عدد من رجال القصر مقابل المال، وهناك نماذج أخرى يشاطر فيها ساكن القصر الخارجين على القانون سواء من منطلق مصلحى أو أيديولوجى كأن يؤمن ساكن القصر بالقناعات الأيديولوجية للجماعات الخارجة على القانون.
ذهب الدكتور مرسى فى رحلات مكوكية خارجية وزار دول «البريكس» الخمس (الصين، الهند، جنوب إفريقيا، روسيا والبرازيل) سعيا إلى نقل تجارب هذه البلدان فى التنمية وهزيمة التخلف، وبعد عشرة أشهر على تقلده السلطة نجده أقرب إلى النموذج الكولومبى (تفكيك الدولة) منه إلى النموذج البرازيلى (هزيمة التخلف والانطلاق إلى المستقبل بخطى واسعة).