لم أندهش من تصريحات الفريق السيسى الأخيرة التى أعلن فيها أن الجيش لن يتدخل فى السياسة ولا الشؤون الداخلية للبلاد، ولن يحارب معارك غيره وعلى الجميع عندما يريد أن يغيِّر فعليه الوقوف أمام صناديق الانتخاب حتى لو ساعات طويلة حتى يقوم بالتغيير.
سبب عدم اندهاشى أننى كنت متوقعًا هذا الموقف من القيادة الجديدة للقوات المسلحة، ويشهد علىَّ ما كتبته سابقا على صفحات «التحرير» من انزعاجى ودهشتى الكبيرة من الأصوات التى تعالت فى الفترة الأخيرة تطالب الجيش بالتدخل فى الشؤون الداخلية وحماية الشعب من نظام الإخوان المسلمين، ومع أن كل المؤشرات السابقة لتصريح السيسى الأخير كانت تؤكد أن الجيش يلمح إلى إمكانية رجوعه إلى عالم السياسة مرة أخرى، لكن التصريح الأخير كان فيصلًا مهمًّا فى تلك القضية، وأنا هنا أتساءل عن المطالبين بتدخل الجيش مرة أخرى فى قضايا داخلية للبلد، ولا أعرف هل كان هؤلاء معنا فى الفترة الانتقالية التى أعقبت ثورة 25 يناير التى جلس فيها المجلس العسكرى للقوات المسلحة يدير شؤون البلاد فى أسوأ مرحلة انتقالية فى تاريخ الثورات، وبطريقة عشوائية لا تتسم بأى خبرة أو ذكاء فى عالم السياسة، وهذا بالطبع لا يقلل بالمرة من قيمة الجيش المصرى وحب شعبه له.
تعالوا نتذكر عندما تعالت الأصوات مطالبة المجلس العسكرى بإنشاء مجلس رئاسى يدير البلاد بدلا من الحكم العسكرى ورفض، تعالوا نتذكر المواد التى تم الاستفتاء عليها والتى اخترعها لنا من قبل حسنى مبارك وأكمل مسيرته المجلس العسكرى، تذكروا جيدا اللجنة التى قامت بتعديل تلك المواد، والتى شكلها المجلس العسكرى وكان التيار السياسى الوحيد الممثَّل بها تيار الإخوان المسلمين، وكانت تلك اللجنة أحد إبداعات المستشار بجاتو بالتعاون مع الإخوان المسلمين، تذكروا معى تلك الاجتماعات والمناقشات الطويلة التى كان يجريها المجلس العسكرى مع القوى السياسية فى مصر، والتى كان يستمع فيها إلى وجهات النظر من القوى السياسية والجميع شهد له أنه كان يستمع بإنصات ويدوّن ملحوظات والطلبات بعناية فائقة، ولكن كالعادة كانت كل قراراته وليست بعض قراراته، كلها كانت ضد كل ما تقوله القوى السياسية.
تعالوا بنا نتذكر كيف نجح المجلس العسكرى فى إذكاء روح الفُرقة بين شباب القوى الثورية، كيف كانت كل ملحوظات المجلس العسكرى على الشباب الثوار تؤكد أن الثوار ما هم إلا شباب صغير، لا يعرف شيئا عن قيمة الوطن أو قيمة القوات المسلحة، كان كل ذلك بسبب أن هؤلاء الشبان الثوار الأنقياء كانوا وما زالوا هم رمز الثورة العظيمة ووقودها، وكانت سريرتهم الثورية سباقة فى كشف مَن مع الثورة ومَن ضد الثورة، تعالوا نتذكر كيف استشهد هؤلاء الأبرار على أرض الميادين فى مصر كلهم فى ميدان التحرير ومحمد محمود 1 و2 وفى شارع مجلس الوزراء وأمام ماسبيرو، كان كل ذلك تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تعالوا نتذكر معا ست البنات تلك البنت العظيمة التى سحلها الجنود أمام أعين الجميع، وأمام عدسات الإعلام من كل مكان، وكان تعليق رئيس المجلس العسكرى على هذه الواقعة التى رآها الجميع أن الجنود كانوا يغطّونها ولا يعرّونها، تعالوا نتذكر معا أهم ما حدث فى تلك الفترة التى جعلنا فى نهاية الأمر أمام حكم الإخوان المسلمين، تعالوا نتذكر كيف ارتعد المجلس العسكرى من الإخوان المسلمين بعد أن أقنعوهم وضحكوا عليهم ليؤكدوا لهم أن قوتهم فى الشارع قادرة على سحل الجميع على فرض الأمر الواقع على كل الفصائل فى مصر، وبناء عليه كانت كل الشواهد تؤكد أن المجلس العسكرى كان ينفّذ كل طلبات الإخوان المسلمين وعلى الجانب الآخر كانت وعود الإخوان أن يكون هناك خروج آمن للقادة، وفعلا هؤلاء القادة المطلوبون للعدالة للتحقيق معهم فى ما اقترفوه فى حق المصريين هؤلاء يجلسون فى بيوتهم، والبعض الآخر يجلس على كراسيه الوظيفية الجديدة دون أى تحقيق، تعالوا نتذكر كيف كانت صفقة اللجنة التأسيسية للدستور، وكيف ابتعد الإخوان المسلمون عن امتيازات الجيش، ولم يقدر أحد أن يقف ليطالب بتغييرها، وهذه إشارة كبيرة إلى الاتفاق بين قيادة المجلس الأعلى والإخوان كان وما زال موجودا.
ليعلم الجميع أن شهداء ثورة 25 يناير بدمائهم الذكية يؤكدون لنا أن النضال الشعبى هو المسلك الوحيد لسقوط أى ديكتاتورية، خصوصا ديكتاتورية الحاكمين باسم الدين، إن الشعب المصرى بمؤسساته المختلفة وشبابه الحر قادر بلا أدنى شك أن يسقط حكم الإخوان المسلمين وحكم أى ديكتاتور آخر، ولن ينتظر هذا الشعب مساعدة من أحد، كل ما نطالب به القوات المسلحة الآن بعد تجربتها فى الفترة الانتقالية أن تهتم بتدريباتها وتكون جاهزة لحماية حدود مصر، ولتعلم جيدا أن العلاقة بينها وبين الشعب المصرى هى علاقة غير طبيعية يملؤها الحب والاحترام والتقدير، وأعلم أكثر من غيرى أن الشعب المصرى غفر للمجلس العسكرى أخطاءه الشنيعة فى حق الشعب المصرى على اعتبار أن المهمة كانت ثقيلة ومختلفة وغير مناسبة، لدرجة أن البعض من الشعب يطالب الآن برجوع الجيش مرة أخرى للحلبة السياسية، لكن الحقيقة الناصعة التى لا يمكن أن ينكرها أحد أن الشعب هو القادر على إسقاط الإخوان المسلمين وفى تلك اللحظة لا نطالب الجيش ومجلسه الأعلى إلا بإعلانه أنه يقف مع الشعب عندما يريد، لا نريد منه شىئا آخر غير ذلك، لا نطالبه بأن يقودنا ولكن الشعب هو القائد للجميع، والجيش كما نعلم جميعا هو ملك الشعب وعليه أن ينفذ أوامره.