تحدثت فى المقال السابق عن تغير استراتيجية الأمريكان تجاه التعامل مع الإسلاميين وأنهم قد بنوا ــ بناء على هذه الاستراتيجية الجديدة ــ تصورات جديدة لإدارة الصراع فى المنطقة بما يضمن تحقيق المصالح وأيضاً بما يمكنها من إبعاد مسببات التوتر عن أراضيها وفى ذلك نظريات أخرى كتجميع الإسلاميين المتشددين فى مكان واحد أو إلهاء المتشددين بحروب واستنزاف فى مناطقهم يتصورونها معارك مصيرية لابد من خوضها وتسخير الطاقة فيها بما يبعدهم بالكلية عن مجرد التفكير فى إيذائهم هناك بعد المحيط.
المهم أن من ضمن أهم تلك النظريات الجيدة التى تبناها الأمريكان واستفاد منها الإخوان نظرية الدمج كوسيلة فعالة لاتقاء شر الإسلاميين ووضعهم أمام مسؤوليات الحكم التى تكشف حقائق ما يتمسحون به من صبغة إسلامية تضفى هالة من القدسية حول دعوتهم وحركتهم بتعاملهم المباشر مع كل ما تتطلبه السلطة من مواءمات وتحركات وتشريعات وخلافه مما يظهر حقيقة ادعائهم أمام شعوبهم، أو على الأقل إنهاء فكرة الحكم الإسلامى، والتعامل معه على أنه حكم بشكل مجرد، كما أنهم بذلك قد كسروا ابتزاز الحكام الموالين لهم فى تلك المناطق بتخويفهم من الإسلاميين، وهم من وجدوا لديهم رغبة فى التنازل، وعقد الصفقات أكبر بكثير مما حصلوا عليه من الحكام المدنيين الديكتاتوريين.
ولكن الإخوان سائرون على خطى حبيبهم وملهمهم وعاقد الصفقات معهم حسنى مبارك، ذهبوا لتخويف الأمريكان والغرب من باقى الإسلاميين بالداخل المصرى، كالسلفيين استناداً على إظهار مواقفهم من المرأة والأقباط، واستخدام العنف وما يمكن أن يحدث لو تم دمج مجموعاتهم سياسياً، وخطورة ذلك على مشروعهم بانفتاح الباب على مصراعيه لاستخدام العنف، فضلاً عن كونهم غير قابلين للتفاوض وعقد الصفقات مثلهم وشيّلنى وأشيلك.
وهو ما يدل على عدم فهم وإدراك الإخوان للتغير الذى حدث فى مخ الإدارة الأمريكية فى التعامل مع هذا الملف بالذات، فضلاً عن إدراك السلفيين لذلك وتوجههم لأمريكا والغرب لعرض أنفسهم كما يرغبون أمامهم وتقديم أنفسهم كبديل محتمل للإخوان فى مصر.
ليس ذلك فحسب بل إنهم قد سبقوا زيارتهم تلك بتبنى بعض المواقف السياسية التى يمكن استخدامها وعرضها فضلاً عن أنها مرصودة عند الذهاب للقائهم والحديث معهم، فمثلاً قدم حزب النور مبادرة فى وقت قريب لتقريب وجهات النظر بين جبهة الإنقاذ والإخوان وهو قد ثمّنه الغرب جداً لأنه قد كان ولايزال راغباً فيه لإدخال الجبهة فى العملية السياسية لتحقيق استقرار ما «نوعى» لحكم الإخوان لحسابات تخصهم، واستغل النور هذه الفرصة ليقدم نفسه كطرف مهم قادر على تلبية الرغبات وأيضاً كطرف حائز على الثقة من التيار المدنى المعارض وقادر على التعامل معهم وفى ذلك تلقيح على الإخوان طبعاً. المشهد الآخر الذى قدموا أنفسهم فيه بطريقة ذكية هو مشهد دعم شيخ الأزهر والمشيخة عموماً، فمن ناحية هو تصرف منطقى لأن الإخوان يتخذون خطوات لإقصائهم بعيداً عن المساجد ويحاولون السيطرة على الأزهر وهو بالتأكيد ضد مصلحة السلفيين، ولكنه أظهرهم أيضاً بمظهر المدافع عن المؤسسة الرافض للهدم والسيطرة والقادر على التوافق.
بالتأكيد تشهد العملية السياسية فى مصر والمنطقة زخماً وتغيرات جذرية يجب أن يدرك الجميع أن تفاعلاتها غير محسومة النتائج بل إنها ستتحدد بناءً على ما سيقدمه كل طرف.