ما الحكمة فى أن يعرض مهرجان «كان» فى افتتاحه فيلما مثل «جاتسبى العظيم» فى معالجة متكررة لتلك القصة لم تضف الكثير إلى الحالة السينمائية؟! الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب الأمريكى سكوت فيتزجرالد، الإضافة الوحيدة التى من الممكن أن تلحظها هى أن المخرج لورمان يلجأ إلى تقنية الأبعاد الثلاثة وهى على العكس من المأمول لم تقدم أى ملمح إضافى للشريط السينمائى، بل إن الأمر كان يؤدى فى كثير من الأحيان إلى الرغبة فى التخلص من حالة التجسيد بالبعد الثالث، التى تؤثر بالسلب على التواصل مع عبق الزمن الذى يتناوله الفيلم، كما أن الفيلم افتقر فى تتابعه إلى أى خصوصية، الفيلم عرض فى أمريكا وأكثر من دولة أوروبية، بل والغريب أننى شاهدته فى دبى فى أول عرض جماهيرى له فى دولة عربية متزامنا مع توقيت عرضه فى المهرجان قبل أن أشد الرحال إلى «كان» فجر الخميس، فأنا لأول مرة منذ 22 عاما أتأخر بضع ساعات عن افتتاح «كان» لحضور المنتدى العربى للإعلام الذى أقامه نادى الصحافة بدبى. المهرجانات عادة تتباهى بأن أفلامها لم تعرض من قبل، فعلى أى شىء يتباهى هذه المرة مهرجان «كان»، صحيح أن الفيلم لا يشارك فى التسابق على جوائز المهرجان واسم البطل ليوناردو دى كابيريو فى مثل هذه الأحوال لا يمكن أن يصبح ورقة إيجابية ترجح كفة الفيلم، على الشاشة نعيش أجواء الثلاثينيات من القرن الماضى وقبلها بقليل اختار المخرج كل التفاصيل التى يطرحها الزمن فى تلك السنوات من الملابس والتليفونات وإيقاع الزمن، بل إنه يلجأ إلى استخدام أسلوب الراوى الذى كان يشكل فى بدايات السينما إحدى الوسائل الرئيسية فى السرد السينمائى، والعديد من الأفلام عندما تعود إلى الماضى وتقدم فيلما تجرى أحداثه فى ذلك الزمن تفضل أن تستخدم الأبيض والأسود، حيث يسهم هنا اللونان فى تحقيق التوافق الزمنى على المستوى النفسى أى يجد المتفرج نفسه وكأنه استقل عربة الزمن إلى السنوات الخوالى. هذه هى العناصر التى يملكها المخرج وتلعب فى نفس الاتجاه، هى استدعاء لا شعورى لذهن المتفرج لكى يتشعبط فى قطار الزمن القديم، ولكن المخرج قرر أن يضحى بهذا الإحساس بإضافة لمحة عصرية يا ليته لم يفعلها، لأنها جرحت الزمن وخصمت الكثير من فيلمه. البداية من خلال كاتب يروى معاناته لطبيب نفسى، فهو كان يرصد حياة هذا الشاب العابث العاشق جاتسبى الذى أدى دوره دى كابريو، حيث تختلط مشاعره بين الاستحواذ على الحب والمال وتحقيق أحلامه وتظل مشاهد البورصة تملك إطلالة خاصة دائما بين لقطات الفيلم. إنه البطل العاشق فى قصة درامية تجمع بين الثالوث الدرامى الشهير الزوج والزوجة والعشيق، وتنتهى بمأساة درامية بمقتل البطل جاتسبى ويضيف الكاتب إلى سيرته الذاتية لقب العظيم، فلقد عاش ومات وهو عاشق للحياة، وهو ما يعتبره الكاتب ذروة العظمة. هذا العام يعرض 22 فيلما فى المسابقة الرسمية، وللعرب فيلم واحد وهو «الأزرق اللون الأكثر دفئا» للمخرج عبد اللطيف كشيش، كما يعرض للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد فى قسم «نظرة ما» والذى يعد تاليا من حيث الأهمية للمسابقة الرسمية فيلمه «عمر»، وهانى بو أسعد الآن من أشهر المخرجين العرب سبق وأن استحوذ على الكرة الذهبية فى أمريكا لأفضل فيلم أجنبى فى عام 2006 عن فيلمه «الجنة الآن» وكان واحدا من الأفلام الخمسة المرشحة بقوة لنيل الجائزة بين خمسة أفلام، ولكن لم تأت فى ذلك العالم لصالحه، رغم أن الجائزة كثيرا ما تحدد اتجاهها الكرة الذهبية. كانت السينما المصرية قد شاركت فى العام الماضى بفيلم «بعد الموقعة» ليسرى نصر الله داخل المسابقة الرسمية، وكان توجه الفيلم الذى تناول الثورة من خلال الموقعة، وهى ما تعارفنا على أن نطلق عليها إعلاميا موقعة الجمل، هذه المرة تأتى البلد أيضا واحدة من دول الربيع العربى، وهو اختيار لا أظنه عشوائيا، خصوصا أن مهرجان «كان» قد أقام قبل عامين احتفالية رئيسية لكل من السينما فى مصر وتونس احتفاء بثورات الربيع، وفى كل الأحوال علينا أن ننتظر ما يسفر عنه الشريط السينمائى التونسى. ويجب دائما أن لا نغفل فى المعادلة أن هناك هامشا من السياسة لا يمكن التجاوز عنه أو غض الطرف، لأنه يلعب دائما دوره فى توجيه الاختيار، وتستطيع أن ترى مثلا إيران من خلال مشاركتها فى تظاهرات السينما العالمية نموذجا لذلك، فلقد قاطعت الأوسكار الأمريكى فى العام الماضى وسحبت فيلما للمخرج (أصغر فرهادى) «قطعة سكر» لأنها ترفض أن تنضم إلى مسابقة أمريكية تطلق عليها الشيطان الأعظم، ورغم أن العلاقات مع مهرجان «كان» يشوبها أيضا توتر سياسى بعد عدة مشاركات لأفلام إيرانية لمخرجين من تيار المعارضة والإصلاح مثل فيلمى مخرجى فيلمى «بلاد فارس» و«قطط فارسية» فإن إيران شاركت داخل المسابقة هذا العام بفيلم «الماضى» لأصغر فرهدى الذى سبق له الحصول على جائزتى برلين وأوسكار أفضل فيلم أجنبى قبل عامين بفيلمه «انفصال» أى أنه ليس بعيدا أيضا عن السعفة الذهبية، بينما لم ينَلْها فى عالمنا العربى سوى الأخضر حامينا الجزائرى قبل أكثر من 38 عاما. أتصور أن هذه الدورة ستشهد أحداثا مهمة، أرجو أن لا تخيب الأيام ظنى!
طارق الشناوي يكتب: «كان» يخسر ضربة البداية!
مقالات -
طارق الشناوي