كان بعضنا يصدّق هذه الأكذوبة الطيبة التى تزعم أن حبيب العادلى هو من أطلق المساجين لإثارة الذعر وبثّ الرعب فى قلوب المصريين وقت الثورة، ولم نسأل أنفسنا: وما مصلحته ساعتها فى تفكيك الداخلية وضرب تسعة وتسعين قسم شرطة وإحراق ستة وعشرين مقر نيابة، واقتحام وتهريب ستة وعشرين ألف سجين من بينهم عتاة الجماعة الإسلامية وقيادات الإخوان ومساجين حزب الله وحماس؟
صحيح الداخلية أثبتت يومها أنها عاجزة وفاشلة، مشغولة بضرب المتظاهرين وتركت قفاها عاريًا للاختراق، وأجرموا فى حق مصر بضعفهم وتهافتهم أمام هجمات من حماس وحزب الله، لكن الحقيقة كانت قاسية ومرة فى حاجة إلى أن يمضى وقت تبرد فيه العواطف ويهدأ فيه العقل ليكتشف أن الأدلة والحجج كلها تقودنا إلى وجود عملية مدبَّرة ومنظمة ومخابراتية كبرى، اخترقت أمن وسيادة مصر، وتلاعبت بمصير البلد، وتسببت فى إثارة الرعب وحالة الانفلات الأمنى التى نعانى منها حتى الآن، وكان وراء كل ذلك مَن خطَّط ودبَّر وهرَّب من السجون!
أعود إلى تقرير لجنة تقصى الحقائق برئاسة المستشار عادل قورة الذى كان حائرًا حيرة مصطنعة فى المقارنة بين تصوُّرَين: الأول أن الداخلية هى التى أطلقت المساجين (طيب وكيف حاصرت وأحرقت أقسام الشرطة والسجون؟ لكنها العواطف يا صديقى)، والثانى وجود عملية اقتحام مدبَّرة ومخطَّطة، واستند فى التصور الثانى إلى 16دليلًا، تعالَ نقرأها مع بعض:
1- عدد السجون فى جميع ربوع الدولة 41 سجنًا، وهرب السجناء من 11 سجنا فقط بنسبة 26%، هى سجون: أبو زعبل (4 سجون) ووادى النطرون (4 سجون) والمرج والفيوم وقنا.
2- لم يهرب مسجون واحد من سجون القاهرة (طرة 4 سجون، وسجن الاستئناف بباب الخلق) وهى الأقرب إلى موقع الأحداث فى ميدان التحرير.
3- ثبت بمعاينة منطقة سجون أبو زعبل -تضم أربعة سجون- تعرُّضها لهجوم خارجى مسلح تظهر آثاره واضحة فى الأعيرة النارية المُطلَقة على بوابة السجن الرئيسية وعلى السور الشرقى المجاور لسجنَى أبو زعبل 1 و2، كما يظهر على هذا السور وجود آثار لإطلاق أعيرة ثقيلة «جرينوف» أو «متعدد».
4- ثبت استعمال نوع من الذخيرة لا يُتداول فى محيط قوات الشرطة والجيش فى الهجوم على سجن أبو زعبل، طلقات سلاح آلى خضراء اللون، تم التحفظ على بعض فوارغها فى أثناء المعاينة، وكذا على فوارغ طلقات أعلى من عيار الأسلحة الآلية.
5- شهد الدكتور سعيد محمد عبد الغفار المقيم بالاستراحة المجاورة للسجن بوجود هجوم مسلح من الناحية الشرقية باستخدام أسلحة آلية بمعرفة مجموعات من البدو وصياح بعضهم بالدعاء لحماس.
6- ثبت وجود هدم بسور السجن من الناحية الشرقية وهدم بعض أجزائه من الخارج باستخدام معدة بناء (لودر).
7- ثبت أن سجون أبو زعبل تضم المحكوم عليهم بأحكام جنائية من أهالى منطقة شمال وجنوب سيناء.
8- ثبت بأقوال ضباط منطقة سجون أبو زعبل تعرضهم لهجوم مسلح خارجى.
9- ثبت وجود خمسة مسجونين من حركة حماس بسجن أبو زعبل1، إضافة إلى 24 آخرين من ذات الحركة ومن خلية حزب الله بالسجون التى تم اقتحامها، الذين أبانت وسائل الإعلام سرعة وصولهم إلى ديارهم خارج البلاد بعد الهرب بساعات قليلة، مما يؤكد التخطيط لتهريبهم عن طريق الهجمات الخارجية على السجون.
10- بسؤال عيِّنات عشوائية من مساجين سجن القطا (لم يهرب منه أحد).
11- ثبت بأقوال ضابط القوات المسلحة المكلف بتأمين سجن القطا أن السجن تَعرَّض لهجوم خارجى وتعاملت معه القوات المسلحة ونجحت فى صده، كما شهد ثلاثة من أصحاب المزارع المجاورة للسجن أنهم نجحوا فى رد مجموعات مسلحة حاولت التوجه إلى السجن واقتحامه لتهريب أبنائهم المسجونين.
12- أن الوضع الذى شاهدته اللجنة من حالة الانفلات الأمنى بسجن القطا وهياج المساجين وعدم انصياعهم للتعليمات الأمنية يتنافى مع وجود مخطط لتهريب المساجين فى هذا السجن، لا سيما أن الثابت عدم هروب أى مسجون منه، بل وفاة قيادة أمنية بداخله فى أثناء أحداث تمرُّد المساجين، وهو اللواء محمد البطران رئيس مباحث السجون، الذى شهد زملاؤه وممثلان عن السجناء بأنه توُفِّى فى أثناء محاولة خروج المساجين وراءه للهرب، فتم إطلاق النار نحوهم فقُتل عدد منهم كان من بينهم اللواء محمد البطران، الذى ذكر لهم عدم صدور أمر له بإخراج السجناء، وأصيب آخرون من بينهم المقدم سيد جلال، وهذا ما يؤكد عدم وجود مخطط مسبق لتلك الأحداث.
13- أن شهادة المسجون بشأن إطلاق غازات مسيلة للدموع عليه بالزنزانة دون مبرِّر يتعين أخذها وتقديرها فى نطاق اعتبارين، أحدهما هو أن السجين لا يرى خارج الباب المغلق وبالتالى تقييمه للحالة فى محيط السجن هو تقييم قاصر، والثانى أن الغاز بطبيعته ينتشر دون توجيه وتبعا لاتجاه الهواء ومن ثم فيمكن أن ينتشر فى محيط يجاور مكان الإطلاق أو التصويب.
14- عدم ثبوت صدور أى تعليمات بشأن تخفيف الاحتياطات الأمنية فى غضون فترة الأحداث على السجون، بل صدرت تعليمات بتكثيف إجراءات الحراسة وأن الثابت فقط هو تحقق وقائع هروب جماعى من السجون وهو ما لا يُستدل به -كنتيجة- على السبب.
15- أنه من غير المتصور إقرار السجين بالهرب دون أن يورد تعليلا لذلك يُلقِى فيه بالمسؤولية على غيره، إذ هو معرَّض للعقوبة وفقا لنص المادة «138» من قانون العقوبات. كما أنه من غير المتصور إجماع جميع ضباط السجون التى تم الانتقال إليها على عدم صدور تعليمات بفتح السجون وعدم تخفيف الإجراءات الأمنية فى أثناء الأحداث.
16- نجحت الشرطة فى إجهاض محاولات هروب السجناء فى 15 سجنا، فى القطا ودمنهور وطرة والزقازيق شبين الكوم، وغيرها.
ها، اقتنعت؟